رسالة إلى القائلين (لا) لمسودة الدستور المصري حظيت مصر بعدد ضخم من الشرفاء .. يكفيك إثباتا لذلك أن تطأ قدمك أي بقعة من بقاعها، شرقًا أو غربًا .. شمالاً وجنوبًا .. لترى وجوهًا مصريةً حنونةً بها نفس الطباع .. ونفس الملامح .. ونفس الابتسامة الحانية .. فمصر مثال للشهامة والشرف .. للأخوة ورقة الطبع .. سمعة أهلها تبلغ عنان السماء في شتى بقاع الكرة الأرضية .. ويكفيها شرفًا وأهلَها مدحُ النبي لجنودها .. خيرِ أجناد الأرض .. ولا يمكن أن يأتي هؤلاء الجنود إلا من رحم علاها الطهر والنقاء والشرف. إلا أن النظام العسكري البوليسي المستبد الذي حكم مصر طيلة ستين سنة عمل على تشويه ذلك الوجه المشرق لمصر .. مستخدمًا كل آليات التزييف والتحقير .. التي تثبت للمصري نفسه قبل الأجنبي عنها أن قدره دون .. وأن شرفه أقل .. إهانةٌ في أقسام الشرطة .. حبسٌ للشرفاء دون سبب .. تجنيدٌ ينزع العزة والكرامة من قلوب خير أجناد الأرض .. أزهرٌ مغيبٌ لا يتمعر لتشويه يطاله في الأعمال الدرامية .. تشويه للمرأة المصرية الشريفة في الأفلام الصفراء القذرة .. وأكبر من ذلك كله .. وأشد وأدهى .. هذه الخطة الممنهجة التي اتبعتها تلك الدولة البوليسية لتشويه العقول وتزييف الحقائق .. من خلال جهازٍ إعلامي مخابراتي .. تديره الدولة بأجهزتها .. لتربية إعلاميين نفعيين يخدمون مآربها .. ويصنعون صنمها المقدس .. ينتقونهم بداية من مراحل الجامعة .. وربما قبل ذلك .. فيلتقطون من توفرت لديه الحرفة مصحوبة بالخسة .. ومن تتشرف نفسه للشهرة والمجد والمال .. حتى ولو على حساب شرفه ونقاء كلمته .. فيغرونهم .. ويزينون لهم الحياة الرغدة .. فقط إذا صرت لنا أليفًا .. ولخططنا منفذًا .. وعلى كسب وُدِّنا حريصًا. فلقَّنوهم دروس الزيف والحقارة .. حتى صار الكذب لديهم سجيةً وطبعًا .. لا يتكلفونه .. بل يخرج من أفواههم كالزفير دون عناء أو مشقة .. دون إعداد أو ترتيب .. أصبحوا يعرفون أدوارهم في لعبة السياسة القذرة حتى من دون توجيه من أسيادهم .. فلا تتعجب حينما ترى هؤلاء الإعلاميين يسيرون على نفس طريق النظام الساقط البائد .. حتى بعد سقوطه .. فهم تربوا على ذلك .. رضعوا من ثدي الكذب .. وأكلوا من لحم جيفة انعدام الشرف .. فصاروا كالعُقْبَان آكلة الجيف .. لا تقوى على أكل ما طاب من الطعام. وتاريخ إجرام تلك الأشياء طويل .. مكتوب ومسجل .. حرفًا وصوتًا وصورةً .. لا يحتاج إلى سَرْدٍ كي يتم إثباته .. فقد كفاني ذلك غيري .. إلا أني أذكر آخر جرائمهم في حق مصر الشريفة .. وذلك حينما كانوا أدوات في تشويه رأي الناخب المصري تجاه مسودة الدستور. فقد هالني تلك النتيجة التي خرجت في المرحلة الأولى للاستفتاء على الدستور .. وهذه النسبة الضخمة القائلة له: (لا) .. والتي فاقت الأربعين في المائة .. ليس لأني من القائلين (نعم) .. ولكن لأني كما الملايين في الداخل والخارج كنت متابعًا لتلك الهجمة الشرسة على مسودة الدستور من قبل الإعلام المزيف .. ورأيت حجم الكذب والافتراء الممنهج المتفق عليه سلفًا تجاه ذلك الدستور .. والذي وصفه فقهاء دساتير، وقضاة، وعلماء قانون، بأنه منتج بشري مبهر في مضمونه .. حاذق في صياغته .. يعد في مصاف أقوى الدساتير في العالم. فإذا بتلك الأشياء المسماة بالإعلاميين يزرعون الألغام في طريق الناخب المصري .. من غير أخذ تعليمات من أحد .. فهم على سجيتهم يسيرون .. وبطبعهم يتكلمون .. فصوروا للمصري البسيط ذلك الدستور شيطانًا رجيمًا .. قبرًا من قبور جهنم .. أشد قساوة من سقر وأمرّ طعمًا من شجرة الزقوم .. إذا اقتربت أنامله شيئًا نحو كلمة (نعم) ففيه خراب الدنيا .. والسير نحو الهاوية .. وضياع مصر إلى الأبد. وقديما قالت جدتي: (الزن على الودان أمَرّ من السحر) .. مترجمة بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا) .. ف(سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) وقع تحت طائلته قطاع عريض من المجتمع المصري بكل أسف .. ووقعت أيديهم على الدائرة الحمراء (لا) .. من خلال تشويه العقول .. لا من خلال مخاطبتها. كل ما سبق وصف للحال .. وآتيك الآن بقصد المقال .. فأقول: يا شرفاء مصر .. يا شعبها الطاهر الأبي .. أيها العقلاء .. إن ثورتنا جاءت ثورة تحريرية .. تحرير من ظلم استبد في أعماق أرضها .. تمتد جذوره لأسفل سافلين .. فكان المطلب الأول لنا في تلك الثورة هو (الحرية) .. وإني أطالبكم بتحرير عقولكم .. والذي يبدأ من تطهير الآذان .. لا تسمحوا لهؤلاء المأجورين بأن يقذفوا في آذانكم وعقولكم ما يشتهون .. وتذكروا أنهم في وقت أن كنتم أنتم تموتون جوعًا وفقرًا وقهرًا ومرضًا .. كانوا هم يسبحون في بحار النعيم .. بصحبة ملايينهم التي اكتسبوها من دمائكم. قل (لا) إن أحببت .. لكن إياك أن تكون (لاؤك) مشوهة .. إياك أن يكون مصدرها هو أذنك .. بل ليكن مصدرها هو عقلك .. أعيذك بالله أن تكون أُذُنًا .. بل ثق باختيارك أنت .. واستفت قلبك أنت .. وإن أفتاك الناس وأفتوك .. فإن حار عقلك .. ولم تستطع الترجيح .. فانظر إلى الفسطاطين .. فسطاط (نعم) وفسطاط (لا) .. وانظر إلى الواقفين في كلا الفسطاطين .. تُرى .. مع أيهما تحب أن تكون؟!! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]