إنهم فتيةٌ وشيوخ، برزوا في شموخ، فاعتصموا عند مدينة الإنتاج الإعلامي، ما ضرَّهُم تثبيط المُرجفين ولا طولُ المَلامِ. ولستُ بصددِ أن أُناقشَ الهدفَ النبيلَ الذي من أجلِه خرجوا، ولكنِّي لردِّ غمزِ المتغامزين أرجوا. إنَّ من يعرفُ تلك المنطقة يعي عدم قرب المساجد أو دورات المياة، فخارجُ أسوارِ المدينة لم يكن ثمة مظهرٍ لحياة ! فهل أثنى ذلك عزائمَهم؟ أو فتَّ في عضَدِهم؟ كلا... بل كانوا أكثر حماساً وإصرارا، وهو دأبُ كلِّ من سَمَت أنفسُهُم فأبَوا إلا العيشَ أحرارا. ثم سمِعنا من يلمزونهم ويبسطون إليهم ألسنتهم بالسوء، ويتغامزون بأنهم يقضون حاجتَهم في الخلاء، وأن ما يفعلونه محضُ قذارة، فهل ظننتم أنهم سيفضون اعتصامهم لانعدام التواليت وافتقاد البيديه؟! لهؤلاء أقول..إن الذين يتلون كتاب الله ويعلمون أن الله يحب التوَّابين ويحب المتطهرين هم أحرص الناس على الطهارة، من عايشَهم لا يستطيعُ أن يُخفي إعجابَهُ بهم بل وانبهارَه. إن أولئك الذين يقومون الليل ويصومون النهار، تعلموا من الفقه كيفيةَ الاستنجاءِ والاستجمار، وقد استجلبوا معهم المياه فمنها يتطهرون وبها يتوضئون في اليومٍ والليلة خمساً، لا تشمُّ منهم إلا رائحةَ الطِيب، وما هو عليهم بغريب، وتالله إنهم لأطهرُ من أُناسٍ بالغربِ لهم في بلادنا أذناب، إن يَسرُّكَ مظهرُهُم فالنجاسةُ كامنةُ خلف الثياب ! لقد كان ما يُعابُ عليهم هو واقع الحال في عهدِ رسولِ الله وصحبِهِ الكرام، فما حقَّر ذلك من شأنهِم بل كانوا خيرَ القرونِ والأنام. بل وهذا هو واقعُ الحالِ في كافة الحروب، فهل صدَّ جنودنا البواسل في حرب أكتوبر انعدام الحمامات؟ هل أبى أحدُهم أن يقضي حاجاتَه حتى مات؟ أم هل يجرؤ أحدٌ أن ينسب إليهم القذارة، لا بل هي ألسنةُ البُغضِ تفيضُ بغزارة. إنَّ هؤلاء الأخيار ما أتَوا بخدَمٍ ولا كانوا في موضعِ ترفيهِ، لذلك أخذوا على أنفسِهم تنظيفَ المكان الذي يقيمون فيه، فضربوا أروع الأمثلة العملية في الاعتماد على الذات، وإن انعدمت سبلُ الراحةِ و الملذات. ثم إنهم لما بدا لهم أنه قد يطولُ المُقام، بَنَوا أماكنَ جعلوها للحمَّام، فهل سلموا من ألسنةِ القوم، وانتهى عندها اللمزُ واللوم؟ لا بل تباكَوا على العشوائيات والاعتداء على أراضي الدولة، وما لأحبابنا نيةُ اعتداءٍ ولكنَّ المكابرَ كلما خسرَ حًجَّةً أعاد الجولة.. ثم أقول.. وهِمَ من يحسَبهُم جميعاً من الفقراء ويربط بين الفقر والجهل، ورغمَ أن الفقرَ ليس بعيبٍ فإنهم ليسوا جميعاً كذلك، بل هم عينةٌ حقيقيةٌ ممثلةٌ للمجتمع، منهم الفقيرُ ومنهم الغنيً، منهم من أتى ماشياً ومن أتى راكباُ للمواصلات العامة، ومنهم أصحابُ السيارات الفارهة، ونظرةٌ إلى تلك السيارات المحتشدة هناك تُغني عن المقال، وتدحضُ وصفَ الجميع بالفقرِ بحال. ليس العيبُ أن تقضي حاجتَك في الخلاء، لكنَّ العيبَ كلَّ العيبِ أن تضعَ نفسكَ في خندقِ من حادّوا اللهَ وعبادَهُ فتكونوا سواءً بسواء. يا سادة... ما من بشرٍ إلا ويأكلُ الطعامَ ويقضي حاجتَه، فكفّوا ألسنتَكُم واستغفرُوا ربَّكم يرحمكُم الله. د.محمد عباس المصري [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]