الرواية عبارة عن بناء افتراضى يحملُ بقدر كبير ملامح تصورات وأمنيات وتطلعات كاتبها لطبيعة الواقع المُعاش. ورواية "شيكاغو" للروائى الذى نشطَ سياسيًا بعد الثورة فى محاولة جادة ومخلصة وممولة جيدًا لتحويل تصوراته وأمنياته وتطلعاته الروائية لواقع، تحمل الكثير من البنود سابقة التجهيز والإعداد لدستور مصر الذى تمناه الدكتور علاء الأسوانى لمصر التى فى خاطره "وفى دمه"! ومصر التى فى دم الدكتور علاء مختلفة كثيرًا جدًا عن مصر التى فى دم المصريين "الأميين الجهلة" الذين يرغب علاء فى حرمانهم من التصويت على الدستور؛ فمصر التى فى دمه مُشبعة برائحة الكحول النفاذة. دستور الدكتور علاء هو دستور النخبة المثقفة، لكن الواقع أنه أرادَ بعنصريته تلك ضد شريحة كبرى فى المجتمع المصرى والتى تتمتع بثقافة عالية لم يحصلها هو وأمثاله، أرادَ أن ينحصر التصويت بين النخبة العلمانية والنخبة الإسلامية – إن صح التعبير – وقد يتفوق العلمانيون هنا بمساندة فلول نظام مبارك والأقباط. فى رواية شيكاغو تقرأ الواقع الذى يتمناه الأسوانى لمصر، وهو واقع افتراضى بناه عقل مهْجوس بنفور زائد عن الحد ضد التدين والمتدينين. وربما جاء تصريحه الأخير مُخففًا بعض الشيء فأطلق الأميين والجهلة، لكنه أراد فى واقع الأمر المتدينين والملتزمين بقيم ومبادئ الإسلام ومظاهره؛ لأنه يعتبر هذه الأشياء علامة تخلف ورجعية. لنقرأ هذا الحوار الذى نسجه خيال الدكتور علاء ضمن أحداث روايته: - مصر فى أسوأ أحوالها يا صلاح، كان ما ناضلنا من أجله أنا وزملائى سرابًا؛ لم تتحقق الديمقراطية ولم نتحرر من التخلف والجهل والفساد، كل شيء تغير إلى الأسوأ، الأفكار الرجعية تنتشر، هل تتصور أننى المسلمة الوحيدة فى إدارة التخطيط من بين خمسين موظفة التى لا ترتدى الحجاب؟!" ولو امتلك علاء الشجاعة الكافية لطالب بحرمان المحجبات من التصويت على الدستور، فهو علامة على الرجعية والجهل والتخلف بحسب تصوراته، والنسبة مفزعة للأسوانى ورفاقه فمن بين كل خمسين محجبة توجد امرأة واحدة لا ترتدى الحجاب. علاء الأسوانى اختبأ بعنصريته الشديدة ضد المتدينين خلف ستار الجهل والأمية، ومن يُعاود النظر فى أعماله وإنتاجه الأدبى والصحفى يدرك جيدًا أن عداءه فى المقام الأول لهذه الشريحة التى تشكل عصب وغالبية الشعب المصرى وهم أصحاب الدين والفطرة السوية الذين يحركهم دينهم وتستغرقهم تعاليمه وتصبغهم ملامحه. هؤلاء لا يعتبرهم الأسوانى فقط جهلة وأميين ومتخلفين، إنما مرضى نفسيين؛ فيقول على لسان أحد شخصيات روايته: "ما ينتشر بمصر الآن ليس تدينًا حقيقيًا وإنما اكتئاب نفسى جماعى مصحوب بأعراض دينية". شيكاغو ما هى إلا هاجس، إنها فكر ومنطلق نشطَ مؤخرًا الأسوانى ليحوله إلى واقع، وقد سافرَ الأسوانى بشخصيات روايته إلى الغرب بهمومهم وقضاياهم وتطلعاتهم ليجد هناك الحل لجميع العقد النفسية والمجتمعية والسياسية من وجهة نظره. الحل عند الأسوانى هو التحرر الكامل فالجنس هو بطل الرواية الأول ويكاد يكون المتحكم فى تصرفات وقناعات أبطال الرواية، ويُراد له أن يكون كذلك فى الواقع. ولم ينسَ علاء بالطبع هواه الأول، وربما لو امتلك الشجاعة والشفافية لطالب بحرمان من لا يعاقرون الخمر من التصويت على الدستور الجديد، فهو بطبيعة الحال لا يقدر على فراقها، ولنختم بهذا الحوار من "شيكاغو": - ماذا تشرب؟ - نبيذ أحمر. - أليس الخمر مُحرمًا فى الإسلام؟ - أنا مؤمن بالله فى قلبى ولست متزمتًا، كما أن رجال الدين أباحوا النبيذ أثناء حكم الدولة العباسية. - كنت أعتقد أن الدولة العباسية انتهت منذ زمن. - فعلًا لكنى أحب النبيذ". فى صحتك يا علاء.