كانت صدمتي بالغة في يحيي الفخراني ذلك الفنان العبقري الذي يندر أن يتكرر في فن صناعة الدراما التليفزيونية من حيث القدرة علي معايشة النص وافراغه في قالب انساني يؤثر في المتلقي بشكل كبير، وفي أعمال وقع فيها النص كما يقول النقاد المتخصصون كان أداء الفخراني الفذ هو المنقذ لعل أخرها كان العمل الذي قدمه في رمضان الماضي لطفي الأبيض من حيث تفاهة النص وسطحية المعالجة الدرامية كان أداء العبقري الفخراني هو الذي رفع نسبة المشاهدة. تابعت خبر نشرته بعض الصحف منذ أيام عن مشكلة ثارت مع الفنان الكبير في جمارك أحد الموانيء عند قدومه من الخارج بمناسبة احتفاظه بثلاث زجاجات نبيذ من نوع الويسكي، تصورت للوهلة الأولي أن هذه الزجاجات ربما من مخلفات ديكور ولوازم العمل الفني الذي كان يصوره في الخارج وربما تركت علي سبيل الخطأ في حقائبه، هذا من حسن الظن، وتمتمت في نفسي ليه بس يا فخراني؟ مش كنت تاخد بالك.. ليه تسيب زجاجات خمر في متعلقاتك الشخصية تسيء لتاريخك وسمعتك!! لكن الأخ الفنان الكبير قوي لم يترك لي ولغيري من السذج فرصة التماس حسن الظن ه وصرح في اليوم التالي مباشرة بإحدي الصحف حديثا واضحا مباشرا مستفزا يصحح فيه الأمور ويعترف بملء فيه وكامل ارادته أن الويسكي خاص به ومن ممتلكاته الخاصة، وثار الفخراني ثورة عارمة علي الموظف الملتحي في اشارة طبعا إلي تطرفه!! وتساءل الفخراني عن سبب ترك مثل هذا الموظف في هذا المكان الحساس؟ وكيف يترك ليقوم بمهمة الوعظ والارشاد للمسلمين بإفراغ ما يحملون من زجاجات ويسكي وشمبانيا في البحر أو علي الأرض مش مهم.. واستمر الفخراني الذي كان كبيرا في هجومه واستفزازاته لمشاعر الملايين من المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي قائلا كيف يتغول هذا الموظف علي الحرية الشخصية.. وهل هو الذي يحدد معايير الحلال والحرام!! ونسي الفخراني في غمار حرقته علي الزجاجات الثلاث وربما من أثر ضغط عدم تناوله لهذه المسكرات أن الذي حدد ضوابط الحلال والحرام من فوق سبع سموات هو العزيز الحكيم والغفور الرحيم الذي حرم الخمر بأيات حاسمات من القرآن الكريم غير منسوخات وأمر المسلم اجتنابها، ولعن رسول الله صلي الله عليه وسلم شاربها وحاملها وبائعها، وحدد الشارع النبوي الجلد حدا عقابيا لشاربها. وقد وقع الفخراني فضلا عن حيازة المسكرات وإقراره بتعاطيها وإصراره علي ذلك في رذيلة المجاهرة وقد نهي العاصي عن المجاهرة برذيلته، أخشي أن يكون الفخراني الذي كان كبيرا قد وقع في جريمة الترويج والتسويغ لمحرم شرعا بأحكام شرعية قاطعة الدلالة وتحبيذ ما نهي الله عنه شيء خطير إذا قرأنا نكير الله سبحانه علي بعض البشر بقوله (ذلك بأنهم كرهوا ما نزل الله فأحبط أعمالهم). إنني ما زلت أتمسك بأمل أن يعود يحيي الفخراني إلي الحق، والله فتح باب التوبة برحمته للعبد ما لم يغرغر، كلنا عصاة لكن الله يستر علينا وأملنا كبير في ستره يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، والفرق كبير جدا بين ارتكاب المعصية والندم علي مقارفتها وتمني الاقلاع عنها والتوبة منها فكلنا هذا الرجل وبين الاصرار عليها والايمان بجواز مقارفتها. والحقيقة لقد احترت من الدكتور زقزوق وزير الأوقاف، كل يوم يطلع علينا بجديد، تارة يحدثنا عن توحيد الآذان وفكرته العبقرية عن جعل الآذان بالراديو عبر شبكة اذاعية موحدة داخل المساجد!! وتارة يتكلم عن تفاهة اللحية وتقصير الثياب وتعدد الزوجات، حتي إني أشعر كأنه مهتم باتباع المرجوح من الأحكام واتباع الراجح، وكأنه معني باتباع السقط من الأراء لحاجة في نفس يعقوب، يكلمنا عن تخلف الأمة وضرورة النهضة دون أن يحدد لنا وسيلة واحدة نتبعها غير تأييد الحزب الوطني والقيادة السياسية طبعا، الرجل مهتم بالرخص جدا ولا يهتم بالعزيمة أبدا.. بالتأكيد أن الإسلام يعني بالجوهر والمخبر لا بالشكل والمظهر لا خلاف بيننا علي هذه، لكن دون أن نفتش في قلوب الناس الذين يتمسكون بما يرونه لازما في مظهرهم ودون ان نسفه أحلامهم، وقد روي عن بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتحري أثر دابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ويقول لدابته اصبري لعل الحافر يقع علي الحافر رغبة منه في التأسي برسول الله، المهم ان يهتم وزير الأوقاف برفع مستوي الخطباء والوعاظ في وزارته بدلا من توحيد الخطبة المكتوبة التي توزعها الوزارة عليهم وأغلبها سطحي لا يحقق التواصل بين الامة أو المصلين والمستمعين وبين الوعاظ والأئمة من المؤسسة الدينية الرسمية، الكلام كثير والمجال محدود، وربما نعود إليه مرة أخري. مبادرة حافظ سلامة: حافظ سلامة رجل من طراز الرجال الشجعان حقيقة وليس علي طريقة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حينما كان يصف اتفاقيات أوسلو وشريكه فيها اسحاق رابين بسلام الشجعان، لا حافظ سلامة قضي أحلي سنين عمره مع الاخوان في سجون عبدالناصر وحافظ علي تماسكه وصلابته أيام تلك المحنة القاسية وكان ممن أنعم الله عليهم بالثبات وخرج متمسكا بدينه وهويته وقناعاته والأكثر أنه حافظ علي استقلاليته وأسس جمعية الهداية الإسلامية وجعل مقرها الرئيسي في مسقط رأسه بالسويس، لكنها ومع حيويته افتتح لها فروعا بمحافظات مختلفة وجعل يؤسس المساجد في الميادين والأماكن المتميزة وأبرزها المسجد الشهير النور الذي شهد صولات وجولات في السبعينات وكان قبلة للحرية يؤمه الناس والأئمة والعلماء والنشطاء ونواب الأمة من الإسلاميين، ولما وقعت حرب اكتوبر 73 وحاول شارون فتح ثغرة الدفرسوار ودخول السويس كان حافظ سلامة هو القائد الحقيقي بعد هرب قيادات رسمية من الميدان وكادت تعلن الاستسلام للعدو الصهيوني لولا توفيق الله لهذا الرجل الذي قاد المقاومة الشعبية الباسلة حتي انتصرت ودحرت قوات العدو. كان حافظ سلامه شجاعا أيضا عام 85 حينما دعا لخروج مسيرة خضراء من مسجد النور لتقصد قصر الرئاسة لتعرب عن مطلب الأمة في تطبيق الشريعة الإسلامية. والأسبوع الماضي وفي الجامع الأزهر الذي تقصده رموز الأمة وقياداتها الشعبية في كل العصور أعاد حافظ سلامة للواجهة قضية أسلمة المجتمع، تلك القضية التي تغافل عنها كثيرون في آتون العمل السياسي والبرلماني، عاد الرجل الشجاع ليتكلم عن ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية واحترامها، هكذا دون مواربة، طالب بحرية حقيقية وإصلاح سياسي حقيقي يفترض في البداية ضرورة تخلي حكومة الحزب الوطني عن مكانها وتولي حكومة إئتلافية مؤقتة إدارة الانتخابات. يا كل الذين توقفتم عن استخدام العنف ما بالكم صمتم عن المشروع الأساسي الحقيقي تطبيق الشريعة نصا وروحا وتهيئة المجتمع له، ما بالكم صمتم عن قول الحق والصدع حتي ذكرنا الرجل المجاهد حافظ سلامة بأوجب الواجبات وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. ------ صحيفة الراية القطرية في 6 -8 -2005