لم يكن يعلم سيد، محاسب إحدى شركات المقاولات، أن بعض ضباط المنظومة الأمنية فى مصر لم يتغيروا ومازالوا ينتهجون طريقة ما قبل الثورة للتعامل مع المواطنين فلو كان يعرف أنه سيلقى نفس مصير الظلم والتلفيق والافتراء الذى حدث لآلاف الأشخاص قبل الثورة من قبل رجال الشرطة ما عاد من عمله يوم الأربعاء الماضى إلى منزله بمنطقة المنيب. يقول سعيد سالم نصار، والد المجنى عليه والحسرة تعصر قلبه: "فوجئ ابنى الوحيد يوم الأربعاء الماضى أثناء عودته وصعوده لشقته بمطاردات وأصوات عالية أعلى سطح المنزل وحينما صعد لاستبيان الوضع ومعرفة ما يحدث فى الأعلى وجد مطاردات بين رجال الشرطة وبعض الأشخاص على خلفية مشاجرة بشارع عمرو بن العاص بمنطقة المنيب؛ ولكنه ترك الأمر وعاد ليطرق باب شقته بالدور الثالث وأثناء قيامه بفتح الباب له فوجئ بضباط وأمناء قسم الجيزة يقتحمون الشقة وقاموا بالتعدى عليه وسحله لأخذه بالقوة". يضيف:"تدخلت لإنقاذ ابنى من أيديهم ولكنهم قاموا بالاعتداء علىّ بالضرب والسب والقذف، مما أثار غضبه وحاول إبعادهم عنى لكنهم بلا قلب أخذوه بالقوة وضربوه بدبشك السلاح على رأسه، فضلا عن ركلات بالقدم فى جميع أجزاء جسده إلى أن نزلوا به الدور الأرضى ووضعوه فى سيارة الشرطة واصطحبوه معهم وبدون رأفة تركونى أنا وأمه نبكى لا حول لنا ولا قوة. انهار فى البكاء ثم استطرد: "ذهبت إلى القسم لمعرفة مصيره وسبب اصطحابهم له فأخبرنى أحد الضباط أنه بخير وسلامة وسوف يعرض على النيابة صباح غد الخميس وعندما ذهبت فى اليوم التالى بصحبة زوج ابنتى المحامى لمباشرة ومتابعة تحقيقات النيابة، لكنها كانت المفاجأة والطامة الكبرى التى لم أتوقع حدوثها بعد الثورة فلقد وجدت ابنى الوحيد لا تحمله قدماه وعينيه مغلقتين من شدة الانتفاخ والورم وأنفه وفمه ينزفان بالدم وآثار التعذيب تملأ كل أجزاء جسده ووجهه؛ لم أتمالك أعصابى وسقطت على الأرض مغشيًا علىّ، وأخبرنى أحد أمناء القسم أن ضباط القسم انهالوا عليه ضربًا بسبب محاولته إبعادهم عن والده أثناء إلقاء القبض عليه تحت إشراف وتعليمات الرائد هشام .ع رئيس مباحث القسم. يضيف: "طلبت من النيابة إرساله للمستشفى ولكن ضباط القسم رفضوا تنفيذ أمر النيابة بعرضه على الطبيب وأعادوه مرة أخرى للحجز وتوجهت للمأمور وطلبت منه إحضار طبيب له داخل الحجز لأن حالته خطيرة وسيئة وبعد عدة محاولات أكد لى مأمور القسم أنه تم عرضه على الطبيب بالفعل وأن حالته جيدة فالتمست الصدق فى كلامه ورددت "ربنا يسترها" ولو كنت أدرى أن ابنى الوحيد يصارع الموت وهو يتمنى لقاء أمه لتقبيل يدها وإخبارى بأنهم قتلوه ظلمًا دون ذنب لكنت أحرقت كل الدنيا لإنقاذه. وفى صباح الجمعة لم أستطع الذهاب لزيارته لظروف مرضى وبعثت زوج شقيقته وأرسلت معه بعض الملابس والأطعمة إلا أن أحد أمناء الشرطة قال له: "يا بيه سعد مريض جدًا جوه وبيموت حاولوا تتصرفوا" فدخل للمأمور طالبًا منه أن يدخل الطعام والملابس ويراه إلا أن المأمور قال له: أمهلنى ربع ساعة وبعدها وجد حالة من الارتباك سادت القسم وحينما سأل عن السبب أخبره أحد الأفراد أن أحد المحتجزين لقى مصرعه داخل الحجز وعندما دخل لمعرفة هوية المتوفى قال له المأمور: "البقاء لله" الأمر الذى دعاه أن يطلب من المأمور حضور النيابة على الفور، وعندما حضرت النيابة أثبتت فى تقريرها المبدأى كل ما رأته أمامها من ضربات ولكمات فى جميع أنحاء الجسم مع ضربة شديدة فى الرأس، وطلبت النيابة تشريح الجثة الذى ثبت التقرير المبدأى أن الوفاة بسبب نزيف حاد فى المخ نتج عن تعرضه لضربه بآلة حادة على الرأس. يصرخ الأب قائلا: "حسبى الله ونعم الوكيل بذلت كل ما بوسعى لرؤية ابنى قبل أن يقتلوه لكنهم رفضوا غير عابئين بتوسلاتى لهم، ولم تُصدر الأم طيلة الجلسة سوى كلمة واحدة أخذت ترددها مرارًا وتكرارًا: "ربنا ينتقم منهم". أكدت تحريات الشرطة والتحقيقات أن الضحية توفى فى الحجز بعد إصابته بنزيف حاد، وقال محضر الشرطة إن النيابة قررت عرضه على المستشفى وأن الضباط نسوا وأهملوا وأودعوه الحجز. اتهمت أسرة المجنى عليه أمام النيابة أفراد الشرطة بقتله بعد الاعتداء عليه عند ضبطه والتسبب فى إصابته بكدمات وجروح ونزيف داخلي. وأمر حاتم فاضل، رئيس نيابة قسم الجيزة، بإشراف المستشار أحمد عبد الحميد البحيرى المحامى العام الأول لنيابات جنوبالجيزة باستدعاء مأمور قسم الجيزة ونائبه ورئيس مباحث القسم لاستجوابهم عن كيفية وفاة الضحية ومَن المسئول عن نقله للمستشفى واستدعى أسرة الضحية لاستجوابهم. يذكر أن عشرات الأشخاص تجمهروا أمام قسم شرطة الجيزة يوم الجمعة الماضى فى محاولة لاقتحام القسم فى شارع البحر الأعظم، وذلك بعد علمهم بوفاة المجنى عليه داخل القسم تحت التعذيب، وقال شهود عيان إن المجنى عليه سعد سعيد 26 عامًا شاب ملتزم ومعروف بأدبه وسط جميع أهالى المنطقة. وأكد العميد أيمن حلمى، القائم بأعمال مسئول الإعلام الأمنى بوزارة الداخلية، أن الواقعة بأكملها أمام الإدارة العامة للتفتيش والرقابة بالوزارة لاتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية وأن كل الشكاوى التى يتقدم بها المواطنون ضد رجال الشرطة يتم فحصها ولا تستر على المتجاوزين، كما أن النيابة مازالت تجرى تحقيقاتها فى الواقعة، مشيرًا إلى أن حالات التجاوز فردية ونهج العمل فى الوزارة تغير كثيرًا بعد الثورة، كما أن اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية استحدث إنشاء قطاع تحت اسم "قطاع حقوق الإنسان والتواصل المجتمعى" للتواصل مع المواطنين فى كافة القضايا والشكاوى. من جهته، علق الدكتور أحمد سليمان، أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق، أن تزايد حالات التعذيب من قبل رجال الشرطة الغاضبين من اندلاع ثورة يناير لا يجب السكوت عليه، خاصة أن معظم المواطنين بدأوا يعانون من ممارسات سيئة فى الشارع، وأننا حينما نطالب الداخلية بالضرب بيد من حديد ضد البلطجية فهذا لا يعنى إطلاق العنان لهم لإعادة الصورة النمطية لشرطة العادلى فى العهد البائد، مطالبًا بضرورة تطهير وزارة الداخلية من رجال العادلى لأنهم يرغبون فى إفشال الرئيس مرسى.