شرحت منذ أيام في هذا المكان كيف وقف الإنجليز وراء مآس إنسانية كثيرة في العالم يأتي على رأسها فلسطين وكشمير وأيرلندا. لم يكتف الإنجليز بتسليم فلسطين للصهاينة ، بل قاموا بعد ذلك بعشر سنوات بتسليمهم عشرين طنا من الماء الثقيل اللازم لإعداد كميات كبيرة من البلوتونيوم تضمن تصنيع عدد كبير من الرؤوس النووية في مفاعل ديمونه الذي أنشأته فرنسا لهذا الغرض . وكان ذلك منذ خمسين عاما في الوقت الذي كانت أميركا تعارض فيه أية محاولة لتوسيع "النادي النووي". وعلى الرغم من تاريخ إنجلترا الأسود ، فإن إستعمارها كان نسبيا أفضل من قوى الاستعمار الأوربية الأخرى : إن دنشواي التي إعتبرت أفظع جرائم الاحتلال الإنجليزي في مصر، لا تقارن بالمجازر الرهيبة التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي في الجزائر أو الإيطالي في ليبيا أو البلجيكي في بلاد أفريقية أخرى ، حيث كانت قوات الاحتلال تبيد قرى بأكملها. بتعبير آخر، يمكن وصف الاستعمار الإنجليزي بأنه كان إستعمارا متحضرا ، إن جاز القول . الأمر الثاني يتعلق بقوة التيارات العنصرية في أوربا ، حيث نجد أقوى هذه التيارات في ألمانياوفرنسا ثم إيطاليا. أما في إنجلترا ، فالعنصرية موجودة وإنما بدرجة أخف ، كما أنها مستترة وليست فجة كما في المجتمعات الأوربية الأخرى . لقد عشت سبعة سنوات في الولاياتالمتحدة ومثلها في بريطانيا . وقد وجدت المجتمع الأمريكي أكثر قبولا (أو على الأقل كان أكثر قبولا قبل واقعة 11/9) للعرب والمسلمين وأكثر تسامحا مع الإسلام من المجتمع الإنجليزي ، الذي هو أفضل مجتمعات أوربا. نحن لم نسمع عن محاولة لحظر الحجاب مثلا في أية مدينة أمريكية (باستثناء حالات فردية معدودة) ، أو لفرض الذوبان تحت لافتة الإندماج على المسلمين . في المقابل ، فإن قضية حظر الحجاب أصبحت متداولة في جميع بلدان أوربا بإستثناء إنجلترا ، والضغوط تتفاقم على مسلمي أوربا للتخلي عن أهم تعاليم الإسلام والذوبان في المجتمعات التي يعيشون فيها. ثم جاءت تفجيرات لندن الشهر الماضي ، وتصاعدت الجرائم العنصرية ضد المسلمين ، وأصدر الدكتور زكي بدوي عميد الكلية الإسلامية في لندن ، وأحد القيادات المسلمة في بريطانيا، فتوى عجيبة تبيح للمسلمات خلع الحجاب لتجنب تعرضهن للسب أو الاعتداء . وقد أجمعت عدد من مسلمات بريطانيا على تمسكهن بارتداء الحجاب رغم هذه الفتوى وقلن إن الحجاب "واجب ديني وحق لي كمواطنة بريطانية" يتعين على الشرطة البريطانية أن تكفله لهن ، وذلك في مقابلات عبر الهاتف أجراها موقع "إسلام أون لاين" مع عدد من طالبات وخريجات الجامعات البريطانية. ثم جاءت تصريحات توني بلير التي أعلن فيها عدد من الإجراءات التي تستهدف الأئمة المتشددين في بريطانيا والمساجد التي ينشرون من خلالها تطرفهم . وكما كان رد الفعل الأمريكي على واقعة 11/9، يبدو أن رد الفعل البريطاني على واقعة 7/7 سيكون على نفس المنوال : إستغلال جريمة إرتكبها قلة من المجانين كغطاء لعنصرية رسمية تطلق العنان لما يعتمل في صدور مجتمعاتها من كبت عنصري يحتاج إلى التنفيس . ولا يوجد بالطبع من يمكن تنفيس هذه العنصرية فيهم إلا من لا ظهر لهم ولا سند ، وخاصة الجماعات العربية والمسلمة التي نشطت خلال السنوات الأخيرة ضد أنظمة الإحتلال في فلسطين والعراق . وهكذا جاء رد الفعل الرسمي على واقعة 7/7 في لندن كحلقة أخرى في سلسلة لا نعلم متى تنتهي حلقاتها في حرب على المسلمين يرفض الغرب أن يضع نهاية لها إلا بارتداد المسلمين عن دينهم. [email protected]