سوف أحلل فى عدد من المقالات الآليات التى يدرك التلاميذ بواسطتها طبيعة تحصيلهم الدراسى فى المرحلة الإعدادية، ومن ثم يدركون مكانتهم المتوقعة فى المجتمع. ولتحقيق هذا الهدف، سوف أستكشف أدوار الامتحانات والتقويم فى المدرسة الإعدادية، ثم أفسر مدى اختلاف هذه الأدوار عن مثيلاتها فى المدرسة الابتدائية. وتخلق هذه الامتحانات وأدوات التقويم وضعاً يبدو فيه التحصيل الدراسى نتاجاً للاجتهاد وبذل الجهد، ويتم فيه تصنيف التلاميذ بصورة هرمية أقرب ما تكون للعدالة. ومن خلال انتقاء تلاميذ المرحلة الإعدادية وتوزيعهم على المسارات التعليمية المختلفة يتعلم التلاميذ مقارنة أنفسهم بأقرانهم، وتوزيع أنفسهم على الوظائف الاجتماعية التى تناظر أدوارهم داخل المدرسة. ومن خلال هذه التنشئة الهرمية ومن خلال هذه الامتحانات يضع التلاميذ المتأخرون دراسياً الذين يساعدهم المعلمون بصورة مستديمة أنفسهم فى المكانات الاجتماعية التى يعتقدون أن قدراتهم الدراسية تؤهلهم لها. وبعبارة أخرى، تلعب المدرسة الإعدادية دوراً بالغ الأهمية فى تحديد طبيعة الذات لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية؛ أى أن المدرسة اليابانية تلعب دوراً حيوياً فى الحفاظ على المكانة الاجتماعية، وفى قبولها وخاصة لدى الطبقات الاجتماعية الأدنى. ويتعلم تلاميذ المرحلة الإعدادية العديد من الدروس عندما يلتحقون بهذه المرحلة التعليمية مثل القواعد التى تتصل بالمرحلة الإعدادية، وأماكن جلوسهم فى حصص توزيع المهام على التلاميذ وفى حصص تناول الغداء، واختيار الأفراد الذين سوف يقومون بمحو الكتابة من على السبورة المدرسية وبتنظيف نوافذ الفصول وبمسح أرضية الفصول والممرات. وبالإضافة إلى هذا، يتعلمون الالتزام بقواعد النظام مثل الجلوس فى المقاعد قبل بدء اليوم الدراسى، وعدم التحدث مع زملائهم أثناء شرح المعلم، وضرورة الإنصات إلى توجيهات المعلمين والاستماع باحترام إلى آراء زملائهم التلاميذ. ويعد الصف الأول الإعدادى "هو المسار الأول لتحقيق النضوج الاجتماعى وتعلم القيم" بصورة تحافظ على النظام والانضباط داخل المدارس. كما يتعلم التلاميذ وجود امتحانات دورية مثل امتحان نصف العام الدراسى، وامتحان نهاية العام، والاختبارات الأسبوعية، وقواعد الجلوس أثناء الامتحانات، والتنبيهات الخاصة بإحضار الأدوات المكتبية الشخصية، ومواعيد تسليم أوراق الإجابة، وكيفية التصرف فى حالة سقوط الأدوات المكتبية على الأرض، والقواعد المتعلقة بالخروج من قاعة الامتحانات بعد انتهائها. وتؤكد هذه القواعد أن الهدف الأسمى من هذه الاختبارات هو العدالة. ولكن اتباع هذه القواعد ليست هدفاً فى حد ذاته، حيث ينظر المعلمون إلى هذه الامتحانات الدورية كوسيلة لتحفيز تعلم التلاميذ، ولتشجيعهم على بذل المزيد من الجهد، ولممارسة الانضباط أثناء تعاملهم مع أقرانهم التلاميذ. ومن ثم، يتوقع المعلمون من التلاميذ اجتياز الاختبارات بتفوق، والاستعداد بجدية لها، وإدراك أهميتها فى نموهم المعرفى. وقد يتساءل الفرد عن الأسباب وراء هذه الجدية الشديدة فى النظر إلى امتحانات المرحلة الإعدادية؟ كما قد يتعجب المرء عن الأسباب وراء هذا الإغراق الشديد فى ذكر التفاصيل الخاصة بقواعد الامتحانات، ومبررات تطبيق الاختبارات، وكيفية الاستعداد لها، ومدى اختلافها عن امتحانات المرحلة الابتدائية؟ والحقيقة أن هناك عدة اختلافات بين امتحانات المدرسة الابتدائية وامتحانات المرحلة الإعدادية. وأول هذه الاختلافات أن الامتحانات فى المدرسة الابتدائية ليست دورية، فليس هناك امتحانات فى نصف العام الدراسى أو فى نهاية العام، كما يسمح للتلاميذ فى الامتحانات الشهرية بمطالعة كتبهم الدراسية. ويعنى هذا أن معلمى المرحلة الابتدائية يضعون أهدافاً تعليمية تضمن حدوث الأدنى من التعلم، ثم يختبرون مدى تحقيق التلاميذ لهذه الأهداف. ويركز المعلمون اليابانيين على مقارنة أداء التلميذ السابق بأدائه اللاحق، وبعبارة أخرى فإن التقويم يركز على نمو التعلم الفردى، وليس على مقارنة تحصيل التلميذ بتحصيل أقرانه الآخرين. ومن ثم لا يستطيع التلميذ أو المعلم معرفة ما إذا كان قد حقق بالضبط المستوى الأقصى للتعلم. ونتيجة لذلك، قد يخطئ بعض تلاميذ الصف الأول الإعدادى فى تحديد مدى إتقانهم للمادة التعليمية نظراً لغموض أسلوب "التقويم المطلق" المطبق فى المدارس الابتدائية اليابانية. وبمرور الوقت يدرك تلاميذ الصف الأول الإعدادى من هم التلاميذ المتفوقون، ويقارنون أنفسهم بهؤلاء التلاميذ، كما يدركون أيضاً التلاميذ المتأخرين دراسياً. ولعل أهم ما يميز المدرسة الإعدادية عن المدرسة الابتدائية هو أهمية الاختبارات والتقويم فى المدرسة الإعدادية. ويعتمد التقويم فى المرحلة الإعدادية على مقارنة أداء التلميذ الواحد بأداء أقرانه فى إحدى مجموعات التعلم، وعلى توضيح الفروق الفردية. ولتحقيق هذه الغاية تطبق المدرسة الإعدادية اليابانية مقياساً للتحصيل الدراسى مكون من 10 درجات فى كل مادة من المواد الدراسية. ويوظف المعلمون اليابانيون بطاقات تقويم التحصيل الدراسى فى إعلام التلاميذ بمكانتهم العلمية وترتيبهم فى كل مادة دراسية على حدة. وبهذا يستطيع المعلمون مقارنة أداء التلاميذ ببعضهم البعض، وأداء التلميذ الواحد فى المواد الدراسية المختلفة. وبالإضافة إلى بطاقات تقويم التحصيل الدراسى الرسمية تستخدم بعض المدارس الإعدادية اليابانية بطاقات أخرى غير رسمية لتقويم التحصيل الدراسى. ويتم إصدار هذه البطاقات غير الرسمية لتقويم التحصيل الدراسى مرة واحدة فى الصف الثالث الإعدادى ومرتين سنوياً فى كل من الصفين الأول والثانى الإعداديين. وتذكر هذه البطاقات غير الرسمية نقاط قوة ونقاط ضعف كل تلميذ. وإذا أخذنا مادة اللغة اليابانية كمثال، فإن هذه البطاقات تذكر نسبة المرات التى يؤدى فيها التلميذ واجباته المدرسية بنجاح، وتحلل أداءه فى مهارات اللغة الأربعة: الاستماع، والكتابة، والقراءة والتحدث كل 3 شهور. ويتم تبادل هذه البطاقات بين التلاميذ، ومعلمى الفصل، والمعلمين الآخرين فى المدرسة، وأولياء الأمور لمناقشة "عادات التعلم" عند كل تلميذ. ويرى المعلمون اليابانيون أن التحصيل الدراسى عبارة عن محصلة تراكمية لعادات الاستذكار، وأن التفوق الدراسى فى عام معين ليس نهاية المطاف لأنه قد يتأثر فى المستقبل إذا نسى التلميذ تسليم واجباته فى الوقت المناسب. وبهذه الطريقة لا يحسن المعلمون من تحصيل التلاميذ الدراسى فقط، بل يغرسون فيهم أيضاً عادات الاستذكار الصحيحة. وفى عام 2001، قرر المعلمون إجراء مزيد من الاختبارات الأسبوعية بالإضافة إلى امتحان نصف العام وامتحان نهاية العام، وتقديم دروس تقوية إضافية بعد نهاية اليوم الدراسى كل يوم جمعة، وذلك لغرس عادات الاستذكار الصحيح لدى التلاميذ. وبعد هذه الدروس الإضافية يتم إعادة اختبار التلاميذ فى نفس المحتوى التعليمى حتى يستطيعوا اجتياز الاختبارات الأسبوعية والشهرية بنجاح. ترى متى يلتحق 90% من تلاميذ المرحلة الإعدادية فى مصر بالمرحلة الثانوية؟ ترى متى تصبح مدارسنا المصرية وسيلة لتحقيق النضوج الاجتماعى وتعلم القيم؟ ترى متى يركز المعلمون المصريون على مقارنة أداء التلميذ السابق بأدائه اللاحق، وليس على مقارنة تحصيل التلميذ بتحصيل أقرانه الآخرين؟ ترى متى تستخدم مدارسنا بطاقات أخرى إضافية لتقويم التحصيل الدراسى؟ ترى متى يقدم المعلمون المصريون دروس تقوية مجانية للتلاميذ مثلما يفعل المعلمون اليابانيون؟