كشفت مصادر مطلعة داخل جماعة الإخوان المسلمين النقاب عن أن المفاوضات التي جرت في الأيام الماضية بين الجماعة وقيادات بارزة بالحكومة والحزب الوطني الحاكم من أجل دعم الإخوان للرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة المقبلة قد وصلت إلى طريق مسدود ، كما لفتت المصادر إلى أن الجماعة التي بدأت هجوما مفاجئا على ترشيح الرئيس مبارك تحاول من خلال هذا الهجوم ترميم صورتها التي اهتزت بشدة في الأيام الماضية بسبب "ميوعة" موقفها من الانتخابات الرئاسية المقبلة ، وهو ما دفع الكثيرون للترويج لوجود صفقة بين الجماعة والنظام من أجل تأييد مبارك في الانتخابات ، أو على الأقل المشاركة ، بغض النظر المرشح الذي ستعطيه الجماعة أصواتها ، من أجل رفع نسبة المشاركين في الاقتراع ، وهو ما يعطيه النظام أهمية قصوى لدلالته البالغة على شرعية حكم الرئيس مبارك لفترة خامسة . وأوضحت المصادر أن قرار تمديد حبس الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت والقيادي البارز الدكتور عصام العريان كان بمثابة نقطة النهاية للمفاوضات بين الجانبين ، حيث كانت الجماعة تراهن على صدور قرار بالإفراج عنهما من أجل تبرير أي موقف مهادن للحكومة خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة . وأضافت المصادر أن الحكومة أبدت تصلبا حادا خلال المفاوضات معتمدة على تراجع الضغوط الدولية ، خاصة الأمريكية ، التي تطالب النظام بإجراء إصلاحات ديمقراطية وتتبنى الدعوة لدمج الإسلاميين المعتدلين في العملية السياسية . وكان المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف قد شن هجوما عنيفا على الرئيس مبارك ، وأكد في تصريحات خاصة ل " المصريون " أن الإخوان لن يؤيدوا مبارك وأنه " كفى عليه ربع قرن من البقاء في الحكم لم ير المصريون فيها إصلاحا يذكر ". وأضاف عاكف "من المستحيل أن ينتهي موقفنا عند تأييد مبارك ويكفي أنه ظل على رأس السلطة 24 سنة لم يحقق فيها إصلاحاً سياسيًا كي لا نؤيد ترشيحه علاوة بالطبع على الأسباب الأخرى" . ومضى قائلا " يكفي أن البرنامج الانتخابي لمبارك لم يأت بجديد كما لم يتضمن أي إشارة إلى المعتقلين في السجون ؛ رغم أنه يملك إصدار قرار بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وإلغاء الطوارئ وعمل الكثير بما لديه من سلطات ولكنه لم يفعل؛ ولم يوقف أسلوب القبض على المعارضين وزاد من القيود على الإخوان المسلمين مما يشككنا في الديمقراطية هذه التي يعد بها مبارك!! . من جانبه ، قال الدكتور محمد حبيب النائب الأول لمرشد الإخوان في تصريحات خاصة ل " المصريون " :" كنت أرجو ألا يرشح الرئيس مبارك نفسه, وأن يكتفي بالأربعة والعشرين عاما التي قضاها في الحكم, فهي كافية فعلا لأن يُظهر الإنسان فيها كل مواهبه وإمكاناته وقدراته, فضلا عن نفاد العطاء بعد هذه السنوات الطوال". وأضاف:" استمر الرئيس مبارك في الحكم 24 عاما, وقد يظل في الحكم لست سنوات أخري إذا شاء الله تعالي ذلك, فكل الشواهد والإعداد والإجراءات تؤكد أن نتيجة انتخابات الرئاسة - بالرغم من أنها تتم من بين أكثر من مرشح- إلا أنها محسومة سلفا لصالح الرئيس مبارك الذي أغلق الباب تماما أمام المصريين من الترشح لمنصب الرئاسة وهذا يعني عملية إقصاء شديدة الوطأة لأعداد هائلة من أصحاب الكفاءات والقدرات الخلاقة والمبدعة, الذين تزخر بهم مصر في شتي المجالات والميادين.". وأعرب عن أسفه لما تم التخطيط له من منافسة صورية وشكلية مع بعض رؤساء الأحزاب الذين قبلوا أن يقوموا بهذا الدور!!". وعدد حبيب مواقف مبارك المعادية للإخوان والمتجنية عليهم منذ وطأت قدمه مقر الرئاسة قبل ربع قرن ، بالقول : " بدأ الرئيس مبارك حكمه باستقبال السياسيين الذين اعتقلهم السادات في أوائل سبتمبر من عام 1981.. رغم أنها كانت بلا شك خطوة جيدة أنبأت عن تباشير عهد جديد من الحريات العامة .. إلا أنه لم يفرج يومها عن الإسلاميين, أو علي الأقل المرشد العام للإخوان المسلمين عمر التلمساني!!. وأوضح حبيب أن مبارك حول في عام 1995 بأوامر مباشرة منه 83 فردًا من الإخوان المسلمين إلي محكمة عسكرية.. مستخدما في ذلك قانون الطوارئ, وذلك لأن الجماعة قررت خوض انتخابات مجلس الشعب!!! وقد حُكم علي خمسة منهم بخمس سنوات سجنا؛ وعلي 56 منهم بثلاث سنوات؛ وأُخلي سبيل الباقين.. وفي عام 1996 حوّل الرئيس مبارك أيضا 16 فردا من الإخوان إلي محكمة عسكرية بسبب ما سُمي آنذاك بمشكلة "حزب الوسط".. وقد حكم علي سبعة منهم بثلاث سنوات سجنا.. وفي عام 1999 تم تحويل 20 فردًا من الإخوان المسلمين إلي محكمة عسكرية وهي القضية التي عرفت باسم "قضية النقابيين" حيث حُكم فيها علي ثلاثة منهم بخمس سنوات سجنا, وعلي أحد عشر بثلاث سنوات.. وفي عام 2000م حوّل الرئيس مبارك 21 فردًا من الإخوان إلي محكمة عسكرية, حكم علي خمسة منهم بخمس سنوات سجنا وأحد عشر بثلاث سنوات... وقد بلغ من ألقي القبض عليه من الإخوان المسلمين وتم حبسه احتياطيا في العقد الأخير ما يزيد علي 20 ألفًا. هذا عدا أعمال التعذيب التي ارتُكبت في حق الكثير من الإخوان والتي راح ضحيتها عدد من الشهداء" . وأضاف حبيب " هكذا نري أن تاريخ الرئيس مبارك معنا شهد اعتداءات جسيمة وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان, فضلا عن التضييق والملاحقة, وفرض الحراسة علي النقابات وحل مجالس إدارات الجمعيات, وتزوير انتخابات اتحادات طلاب الجامعة". واختتم حبيب تصريحاته قائلا:" لقد ظل الرئيس مبارك طيلة أربعة وعشرين عاما يحكم مصر من خلال قانون الطوارئ... وقد استخدم هذا القانون أسوأ استخدام.. حيث تم تزوير إدارة الأمة في جميع الاستفتاءات والانتخابات العامة التي أجريت عبر هذه الفترة". وفي السياق ذاته ، أعتبر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد بالجماعة " أنه من غير الجائز أن يرشح الرئيس مبارك نفسه لجولة خامسة ويكفيه 4 دورات، كما أنه استبعد أن يرشح الإخوان جمال مبارك نجل الرئيس واصفا إياه ب"قلة" الخبرة والحنكة السياسية والتي لا يزيد عمره فيها على 3سنوات". وأضاف أبو الفتوح: " نريد أن نقول بكل وضوح إننا نؤمن بأن رئيس الجمهورية لا يجب أن يستمر في منصبه أكثر من دورتين كل دورة 4 سنوات ويكون بالانتخاب المباشر بين أكثر من مرشح( ..) وبالتالي فإنه غير وارد بالنسبة لنا أن نؤيد الرئيس مبارك ولا نجله جمال مبارك؛ ومع تقديرنا لما بذله مبارك من جهد فان استمراره 4دورات في الحكم لمدة 24عام يعتبر كافي جدا ولا يجوز له ان يرشح نفسه مرة أخرى لأننا نؤمن بأن دورتين لرئيس الجمهورية كافيتين سواء لشخص الرئيس مبارك أو لغيره ..فليس هو المقصود بذاته .. ونحن أيضا لا نؤيد ترشيح ابنه جمال مبارك بالرغم من إنه مواطن مصري له حق الترشح ولكن تجربته السياسية لازالت متواضعة للغاية؛ حيث لم يدخل معترك العمل السياسي إلا منذ 3سنوات نتمنى له أن يتقدم في أدائه السياسي كمواطن مصري ولكن مستقبل مصر، وهم مصر، وما تحتاجه مصر اكبر من أن يستطيع أن يقوم به جمال مبارك أو من في مستواه" . وفي سياق متصل ، أكدت مصادر إخوانية مطلعة أنه رغم تلك التصريحات الحادة لقادة الجماعة ، إلا أن الجماعة لم تحسم موقفها حتى الآن بشكل نهائي من انتخابات الرئاسة ، مشيرة إلى احتدام الخلاف بين تيارين داخل الجماعة ، الأول يطالب بمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة وإنهاء حالة الميوعة التي اتسم بها موقف الجماعة خلال الأسابيع الماضية ، فيما يدعو تيار ثان ، يحظى بدعم قيادات نافذة بالجماعة ، للمشاركة السلبية في الانتخابات من خلال وضع ورقة اقتراع بيضاء في صندوق الانتخاب ، مبررا ذلك بأن المشاركة سوف تؤدي لكسر حالة السلبية المترسخة لدى المواطن المصري . وأوضحت المصادر أن التيار الثاني قد يتسبب في حال نجاحه في فرض رأيه في صدام عنيف بين قيادة الجماعة وقاعدتها العريضة ، التي أبدت استياء من حالة الغموض التي سيطرت على موقف الجماعة من الانتخابات الرئاسية . وأضافت المصادر أن " المشاركة السلبية" تجعل موقف الجماعة أكثر غموضا وميوعة و لن يجني من ورائها الإخوان أية مكاسب تذكر ..! وربما تفقدهم الشارع المتعاطف معهم ناهيك عن قواعدهم التي يعتمدون عليها لاسيما وانتخابات البرلمان على الأبواب . ولفتت المصادر إلى أن قواعد الجماعة بالمحافظات أرسلت خلال الأيام الماضية رسائل واضحة سواء تصريحا أو تلميحا وعبر استطلاع مباشر لآرائهم كلها تنادي بالمقاطعة لما أسموها ب"المهزلة الانتخابية، أو المسرحية الهزلية" . وعلمت " المصريون " أن اقتراح المشاركة السلبية يحظى بدعم قوي من قبل أحد القيادات المؤثرة في الجماعة ، لكن الدكتور إبراهيم الزعفراني عضو مجلس شورى الجماعة أكد أن تلك المشاركة تعطي شرعية لنظام مبارك ولفترة حكم مبارك القادمة ، مشددا على رفضه المشاركة في هذه الجريمة التي تزيف فيها إرادة الأمة على حد قوله . وأوضح الزعفراني أن المقاطعة سلوك ايجابي وليس سلبيا وأنه يتسق مع نصوص القران الصريحة التي تنهى عن المنكر .. وأن تزوير الانتخابات في مسرحية الرئاسة منكرا تجب محاربته وليس مقاطعته فقط. من جانبهم ، أكد محللون سياسيون في تصريحات ل " المصريون " أنه لم يبق أمام الإخوان إلا المقاطعة حتى يتسقوا مع مواقف باقي أعضاء التحالف الوطني من أجل التغيير والإصلاح الذي يتولى نائب المرشد منصب الأمين العام له إذ أن كل أعضاء التحالف مع المقاطعة من ممثلين للحزب الشيوعي والحركة الشيوعية والاشتراكيين الثوريين وكافة حركات التغيير صحفيين وأطباء وشبابا بينما الوحيد هو الوفد داخل هذا التحالف الذي شارك في الانتخابات . وأوضح المحللون أن خيار " المشاركة السلبية " قد يكلف الإخوان تفكك التحالف والاصطدام بالقاعدة من شباب الإخوان وكوادرهم بالمحافظات الأمر الذي يجعل من الإقدام على هذا القرار كارثة تتهدد استقرار الجماعة في هذه الفترة العصيبة التي هي في أحوج ما تكون لتماسك صفها الداخلي والاندماج مع قواعدها.