أقرت الحكومة المغربية مشروع قانون توافق بموجبه على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الأمر الذي يلبي جانبا من مطالب الحركة الحقوقية المحلية والدولية التي ارتفعت أصواتها في الآونة الأخيرة من أجل القضاء على ممارسة التعذيب بالمغرب. وجاء تحرك الحكومة المغربية تتويجا لتطورات مكثفة في هذا السياق، بدءا بزيارة المقرر الدولي الخاص بمناهضة التعذيب، خوان منديز، وصولا إلى تقرير أصدرته مؤسسة لحقوق الإنسان يرصد استمرار ممارسات التعذيب في السجون، مما أحرج السلطات في دولة أكدت في عهد الملك محمد السادس القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي ظل دستور جديد ينص على التزام المغرب بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وينص البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب المعتمد بنيويورك في 18 ديسمبر 2002 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، على إحداث آلية وطنية مستقلة للوقاية من التعذيب تسهر على زيارة أماكن الاحتجاز وتعزيز حماية الأشخاص من التعذيب. وأشاد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في بيان بهذا الشأن، بهذا التحرك الحكومي، بعد أن كان قد سجل بتقرير أصدره حول وضعية السجون والسجناء، نهاية أكتوبر الماضي، استمرار مجموعة من التجاوزات داخل السجون، بينها الضرب بالعصا والأنابيب البلاستيكية والتعليق بالأصفاد واستعمال الإبر والصفع والكي. وكان المركز المغربي لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية مستقلة، قد ندد في بيان بوضعية السجناء التي وصفها بأنها "غير إنسانية وتنطوي على مخاطر تفريخ الإجرام" محملة المسؤولية للدولة التي "تزكي المقاربة الأمنية على حساب المقاربات الاجتماعية والإنسانية". وإن كانت المنظمات الحقوقية رحبت عموما بمبادرة الحكومة المغربية، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي واحدة من أكثر الهيئات راديكالية تجاه السياسة الرسمية في مجال حقوق الإنسان، لم تخف حذرها لجهة المسافة التي طالما خبرتها بين الخطاب والممارسة. وقال عبد الإله بن عبد السلام، القيادي في الجمعية، في تصريحات نقلها موقع "سي إن إن"، إن مصادقة الحكومة على البروتوكول "خطوة مهمة" لكنه أضاف أن المشكلة تتمثل في "المفارقة بين النصوص واستمرار الواقع على ما هو عليه." وأوضح بن عبد السلام، أن هذه الخطوة "تفتح المجال أمام تدابير أكثر عملية لمناهضة التعذيب، على غرار فتح مراكز الاحتجاز أمام مراقبة اللجنة الأممية الفرعية لمناهضة التعذيب." في المقابل، يبدو رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عبد العالي حامي الدين، أكثر تفاؤلا بالخطوة التي اتخذتها الحكومة المغربية، على اعتبار أنها في جوهرها ذات طابع عملي من حيث فتح مراكز الاحتجاز أمام المراقبة الدولية والمحلية وكذا لأنها تمكن من تقديم شكاوى مباشرة أمام المنظمات الدولية. ووصف حامي الدين، وهو أيضا عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحكومي، قرار الموافقة على البرتوكول الاختياري بأنه "خطوة مهمة ونوعية" ل"سي إن إن" أن المحطة القادمة تكمن في تشكيل الآلية الوطنية لمراقبة مراكز الاحتجاز. وعن توقيت هذه المبادرة بتزامن مع تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وزيارة المقرر ألأممي لمناهضة التعذيب، أعرب الناشط المغربي عن اعتقاده أن الأمر يتعلق بخطوة مبرمجة سلفا، معتبرا في ذات الوقت أن هذا التزامن يكشف تفاعل المغرب مع التطورات المحلية والدولية. وخلص عبد العالي حامي الدين إلى أن التعذيب كسياسة ممنهجة "اختفى منذ زمن لكن ظلت هناك تجاوزات تشكل وصمة على المغرب وتحرجه في المحافل الدولية مع أنه لا يستحق أن يصنف ضمن البلدان التي تعرف انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان" على حد تعبيره.