كثيرون يترقبون أو مشغولون بمتابعة التطورات التي ستحدث على الساحة السياسية في مصر بعد الانتخابات الرئاسية التعددية الاولى في السابع من سبتمبر المقبل، أكثر من ترقب نتائج الانتخابات نفسها التي لا يتوقع أن تكون فيها مفاجآت. وقد يكون الأمر الأكثر أهمية وإثارة للفضول بالنسبة للمتابعين لحملات المرشحين للرئاسة في مصر هو كثافة المشاركة من قبل الناخبين في يوم التصويت، وبأية نسبة سيفوز الرئيس؟ ومن سيحل ثانيا او ثالثا بعد مبارك؟ وبأية نسبة على اعتبار ان ذلك سيحدد الكثير من ملامح المشهد السياسي المصري في المرحلة المقبلة ودرجة السخونة في الحراك السياسي وحماس القوى السياسية والاجتماعية للمشاركة في العملية السياسية التي دخلت بدون شك مرحلة جديدة منذ تعديل الدستور لالغاء طريقة الاختيار بالاستفتاء وتنظيم انتخابات متعددة يتنافس فيها المرشحون. ويعتبر كثيرون في المعارضة السياسية في مصر أن التعديل الذي جرى للدستور غير كاف، وانه عملية تجميل اكثر منها تغيير ديمقراطي حقيقي، والاعتراض الاساسي هو على صعوبة الشروط التي وضعت للترشح لخوض انتخابات الرئاسة، بينما يرد الحزب الحاكم بان كل الدساتير والقوانين والانظمة في العالم تضع ضوابط وشروطا لمن يترشحون لمثل هذا المنصب المهم، والفريقان لديهما حججهما الوجيهة، لكن عمليا فان المحك الاساسي هو كيف ستتطور التجربة في ضوء ظروف الواقع السياسي المصري ودرجة تطوره في الممارسة؟ والكثير من الانتقادات التي توجه للتجربة التي تمر بها مصر من تعديل الدستور لها ما يبررها، لكن في الوقت ذاته فان الكثير من الظواهر التي بدأت تطفو على السطح تعطي مبررات للتفاؤل بان هناك زخما جديدا وعجلة بدآ يدوران ومن الصعب وقفهما أو اعادتهما الى الوراء. ورغم ان التجربة حديثة وقصيرة حتى الان، فان المواطن المصري العادي اعتادت عيناه الان على رؤية صور ولافتات في الشوارع العامة لمرشحين متنافسين على أهم منصب في البلاد له هالة خاصة منذ ايام الفراعنة يخطبون وده ويطلبون صوته بينما اضطرت السلطات سواء برغبتها في الانفتاح، او تحت ضغط الحراك السياسي الى السماح بالمظاهرات السلمية في الشوارع، وحتى لغة الخطاب السياسي اخذت شكلا جديدا من الحزب الحاكم والاحزاب الرئيسية المنافسة. وستكون الانتخابات البرلمانية في نوفمبر المقبل هي العلامة الفارقة بعد الانتخابات الرئاسية في تحديد درجة الانتعاش السياسي في الساحة المصرية، فحتى الاحزاب الرئيسية المعارضة تعتبر الانتخابات الرئاسية عملية تسخين لخوض الانتخابات البرلمانية التي ستسعى فيها الى الحصول على انتزاع حصص كبيرة في مقاعد البرلمان. واذا سلمنا بان الممارسة الديمقراطية ليست مجرد انتخابات بل هي اسلوب حياة يومي يحتاج الى ظهور نخبة سياسية واحزاب قوية وفهم صحيح، لان الديمقراطية ليست فقط مجرد حكم الاغلبية ولكن ايضا احترام الاغلبية للاقلية، وكذلك وجود علاقة ناضجة بين الحزب الحاكم والمعارضة تسمح بالتشارك في المعلومات فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية الرئيسية بما يسمح لسياسيي المعارضة بخبرة الحكم والادارة، وفي الوقت ذاته ألا تتحول المعارضة الى مجرد شتائم بدون رؤية وبرنامج عمل، فان الديمقراطية الكاملة لن تأتي في يوم وليلة وستتطور بدرجة تطور المجتمع، فالمهم هو السير الى الأمام بأقصى سرعة ممكنة بدون عثرات. ----------------------------------- صحيفة الشرق الأوسط في 30 -8 - 2005