عكست بداية الأسبوع الثاني لإنطلاق الحملة الدعائية للانتخابات المحلية الجزائرية المقررة يوم 29 نوفمبر الجارى مدى القلق الذي يسيطر على السلطات فى الدولة بسبب تزايد عزوف المواطنين عن المشاركة فى أغلب التجمعات الانتخابية مما ينبىء بتسجيل نسبة إقبال ضعيفة على الاقتراع فى ثانى موعد انتخابي في عهد الإصلاحات التي أطلقها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة هذا العام. وتكتسي الانتخابات المحلية المقبلة شيئا من الأهمية كونها تؤثر في تعديل جزئي مرتقب لأعضاء مجلس الأمة الذي يتجدد ثلثاه كل ثلاث سنوات. ويشارك المنتخبون في اختيار الأعضاء الجدد لكن أهمية الموعد تصبح أكثر ترقبا لتغيير إلزامي على رأس مجلس الأمة إذ تنتهي ولاية رئيسه الحالي عبدالقادر بن صالح القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي نهاية العام. وينظر إلى مجلس الأمة الجزائرى ك"صمام أمان" بالنسبة للحكومة حيث يتشكل ثلثه من أعضاء يعنهم رئيس الجمهورية، وقد تأسس المجلس بموجب دستور 1996 خلال عهد الرئيس ليامين زروال من باب "الهيئة المعطلة" في حال أفرزت الانتخابات التشريعية تيارات معارضة. وأعلنت وزارة الداخلية أن 52 حزبا وأكثر من 200 قائمة للمستقلين أعلنوا مشاركتهم في انتخابات 48 مجلس الولايات (المحافظة)، و1541 مجلس للبلديات مهمتها تسيير الشئون اليومية للمواطنين وبرامج التنمية المحلية. ومن بين مجموع المترشحين البالغ عددهم 185 ألفا يوجد 28\% من بينهم من تقل أعمارهم عن 30 سنة، ويعود ذلك إلى تخفيض قانون الانتخابات الجديد سن ترشح إلى 23 سنة بعدما كان 25 سنة، كما بلغ عدد النساء المترشحات في الانتخابات 31 ألفا أي بزيادة تقدر ب28 مترشحة مقارنة بانتخابات البلدية عام 2007. ويعود ذلك إلى قانون استحدثه الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة مطلع العام يمنح المرأة مسبقا حصة 30\% في لوائح الترشيح. وتستمر الحملة الدعائية لهذه الانتخابات - التى بدأت يوم 4 نوفمبر الماضى - ثلاثة أسابيع حيث تنظم الأحزاب ومرشحوها مهرجانات ولقاءات حوارية لكسب تعاطف قرابة 20 مليون ناخب مدعوون للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات. وعلى عكس الانتخابات البرلمانية السابقة التي سخرت خلالها الحكومة آلة إعلامية ضخمة وحملات إعلانية لحث المواطنين على التصويت حيث أن "البلاد في خطر"، على حد تعبيرها، نألت السلطات هذه المرة مسألة توفير الدعم اللوجيستي لإجرائها. ويسجل المتجول في شوارع العاصمة الجزائر خلال بداية الأسبوع الثانى للحملة الدعاية الغياب التام للحماس الانتخابي المعهود في هذه المواعيد حتى أن اللافتات المخصصة لعرض قوائم المتنافسين مازالت فارغة وسط لامبالاة للمواطنين الذي انصرفوا لشئونهم اليومية والاهتمام بغلاء الأسعار فى المواد الغذائية والسكن. وأبدى رئيس اللجنة السياسية لمراقبة الانتخابية محمد صديقي - في تصريح له مؤخرا - تخوفه من العزوف الانتخابي" للمواطنين، موضحا أن المواطن فقد الثقة في الانتخابات بسبب ما حدث فى الانتخابات التشريعية التى جرت يوم 10 مايو الماضي، وفاز فيها حزب جبهة التحرير الوطنى بأغلبية المقاعد. ويعد الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني الذي يتولى أغلبية المجالس المحلية حاليا المرشح الأكبر لحصد أغلب الأصوات في الانتخابات لسببين: تقديمه مرشحين في كافة المجالس بسبب توفره على الإمكانيات المادية، وكذا وضعه في الساحة السياسية مقارنة بأغلبية الأحزاب التي تشارك في السباق. أما السبب الثاني فهو مادة جديدة في قانون الانتخابات تقضي بإقصاء كل قائمة تحصل على أقل من 7\% من الأصوات، وبالتالي فالأحزاب الجديدة ستكون ضحية لهذا الإجراء وهو سبب فوز الحزب الحاكم بالأغلبية في الانتخابات النيابية السابقة حسب تفسير وزير الداخلية. وتعد هذه الانتخابات ثاني اقتراع تشهده الجزائر بعد "حزمة إصلاحات" أطلقها الرئيس الجزائرى مطلع عام 2012 شملت (قوانين الانتخابات، والأحزاب، والجمعيات، والإعلام) لمواجهة موجة الربيع العربي. وعلى صعيد تحرك الأحزاب الإسلامية للفوز بأغلب مقاعد الانتخابات المحلية، اختار تكتل "الجزائر الخضراء" الذي يضم أكبر 3 أحزاب إسلامية في البلاد، والذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية هى (حركة مجتمع السلم، والنهضة، والإصلاح الوطني) إطلاق الحملة الدعائية بمؤتمر مشترك لقادته هدفها إعادة بعث الأمل في نفوس المواطنين. ودخلت الأحزاب الثلاثة الانتخابات في تحالف لقوائمها بأغلب المجالس المحلية، فيما تركت حرية التحالف من عدمه في مجالس أخرى لأعضائها. وقال فاتح ربيعي الأمين العام لحركة النهضة "إن دخول التكتل هذا المعترك الانتخابي يشكل في حد ذاته مقاومة سياسية للتصدي لما وصفه بالمحاولات الرامية إلى اغتيال التغيير السلمي عن طريق صندوق الاقتراع وإجهاض التعددية الديمقراطية في الجزائر". وأعلن حزب "جبهة العدالة والتنمية" مقاطعة الانتخابات بسبب "عدم وجود إرادة سياسية لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة"، فيما دعا حزب "النهضة" إلى تأجيلها لموعد لاحق لعدم توفر الأجواء المواتية لإجراء انتخابات محلية شفافة ونزيهة. وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية أنه تم استبعاد 43 قائمة انتخابية قدمتها أحزاب ومستقلون بسبب عدم استيفائها للشروط القانونية لكن الأحزاب المعنية بهذا الرفض تقدمت بطعون أمام القضاء الذي أعاد قبول بعض هذه القوائم. يذكر أن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية كان قد أعلن أوائل أغسطس الماضي أن أجهزة الوزارة ستعمل على ضمان وشفافية كل الإجراءات لإنجاح الانتخابات المحلية القادمة. وكانت الانتخابات المحلية السابقة قد جرت في 29 نوفمبر 2007، وفاز فيها حزب الغالبية البرلمانية جبهة التحرير الوطني بأكثر من 30\% من المقاعد.