في البداية أوَدُ أن أهنئ جميع حُجاج بيت الله الحرام بأداء هذه الفريضة وهذا الركن الخامس من أركان الإسلام.. فتقبل الله منا ومنكم.. وحمدًا لله على سلامتكم.. وحج مبرور وذنب مغفور. ولما كانت هذه الفريضة العظيمة والمميزة من فرائض الله لها أهمية قصوى وقيمة عظمى فنالت اهتمامًا كبيرًا في كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. تجعلنا نقف اليوم وقفة تأمل وتدبر وتفهم وتطلع للفائدة المرجوة والنفع المأمول من وراء هذه الفريضة الجامعة ومقاصدها الشاملة للعديد من الجوانب. لاسيما في هذا الوقت، في زمن ما بعد ثورات الربيع العربي وتنفس الأمة عبير الحرية والكرامة بعد الظلم والقهر والمحاربة للدعاة إلى الله من جانب بعض الأنظمة الطاغية والمُفسدة وبعد زمن طويل من القهر والاستبداد وكبْت الحريات . ونود أن نسلط هنا الضوء على سر ومقصد وحكمة وجانب مهم ومدلول أراده الله سبحانه وتعالى في موسم الحج ومناسكه المقدسة مكانًا وزمانًا في دعوته وترغيبه للناس لأداء فريضة الحج العظيمة في قوله تعالى: " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ........." . فكلمة "منافع" هنا جاءت نكرة تفيد العموم والشمول.. ومطلقة غير مقيدة بنوع معين من جوانب المنفعة.. وكأن الله سبحانه وتعالى الحكيم يُريد منا أن لا نقصر الحج وموسمه ومناسكه على المنفعة التي تعود فقط على الفرد روحيًا وإيمانيًا دون التي تعود على وطنه وبلده وأمته ودينه وجموع المسلمين وقضاياهم الهامة ومَآسيهم التي تشيب لها الولدان.. بل وعلى نهضتهم وصحوتهم ورقيهم وقوتهم ووحدتهم . وإن كانت منفعة الحج للفرد تعود عليه في إيمانه وتوحيده وأداء فريضته والرجوع بلا ذنب والتجرد لله وترك نوازع الشر في النفس والشعور بالمساواة والانشغال بذكر الله وقربه وتعظيمه والوقوف بين يديه والضراعة إليه وتذكر الآخرة وتذكر بذل وتضحية وعطاء أبينا العظيم إبراهيم وأسرته الكرام.. وغيرها من المنافع الإيمانية الفردية الكثيرة والمعروفة ... فأين منفعة الجماعة والأوطان والبلدان وقضايانا العامة والكلية لأمة في وقت نحن أحوج إلى مثل هذا التجمع الإيماني والبشري من كل عام في ذات الزمان والمكان والكثافة ؟ ولقد استثمر رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) هذا الموسم العظيم في المنفعة العامة حينما قطع العلاقة وأنهى المعاهدة مع العابثين بالمعاهدات معه وأصدر لجميع الحجاج تعليماته بذلك .. وأيضًا في حجة الوداع المعروفة.. وأرْسى مبادئ وقواعدَ حاكمة للأمة المسلمة وسائر جوانب الحياة.. واستثمره الخلفاء بعده في لقاء الولاة والأمراء والقضاة والفقهاء والعمال والجند للتباحث في شئون الدولة والأمة الإسلامية . فما أحْوجنا اليوم إلى مثل هذه التعليمات والمبادئ الحاكمة لشئوننا في جميع مجالات الحياة .. بأن يستثمر جموع الحجاج من الحكام والقادة والدعاة والعلماء والمفكرين وأهل السياسة والمتخصصين في شتى مناحي الحياة هذا الموسم والتجمع السنوي الهائل فيما ينفع الإسلام والمسلمين والأوطان في كل بقاع الدنيا . ورحم الله الشيخ محمد الغزالي صاحب الفكر الراقي والرؤية المستقبلية إذ يقول: "اجعلوا الموسم الجامع فرصة إعداد وموضع دراسة علمية وعملية ورسم خطط لإنقاذ أنفسكم من طوفان مقبل". فهل لنا أن نعد العدة ونمعن الفكر في كيفية استثمار هذا الموسم الإيماني والتجمع السنوي الهائل لرموز الفكر والرأي وأهل الخبرة في كل المجالات ليعود الحجاج بالمنفعة العامة على سائر الأمة المسلمة : دعويًا: في نشر وتنشيط وتنسيق وتطوير الدعوة الإسلامية . وتربويًا: في معالجة أمراض الأمة وانتشالها من كبوتها وتهذيب أخلاقهم . وثقافيًا: في نشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام ومحاربة الغزو الثقافي والفكري لعقول المسلمين وأبنائهم . وسياسيًا: في إذكاء روح الوحدة بين الشعوب الإسلامية والتشاور فيما ينفعهم ويعلى شأنهم. واقتصاديًا: في بحث سبل دعم وتدعيم وتعاون البلاد الإسلامية والاستفادة من خبراتهم الاقتصادية للنهوض اقتصاديًا وماليًا ببلاد المسلمين. واجتماعيًا: بالاهتمام بقضاياهم ومشاكلهم واحتياجاتهم ورعايتهم ليكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر البلدان بالتكافل والتكامل والتعاون . ماجستير فى القانون أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]