أفزعنى وأسكن الحزن قلبى أن ربع مدة بقاء الدكتور مرسى فى الحكم (العام الدراسى الحالى) سوف تمر دون أى تغيير يذكر قد طرأ أو سوف يطرأ على نظام التعليم!.. ذلك النظام الذى يعلم هو قبل غيره أنه قاعدة البناء الاجتماعى وقاطرة النهضة المنشودة!.. وللأسف الشديد فقاطرة نهضتنا معطوبة بلا خطة إصلاح.. وقاعدة البناء الاجتماعى لدينا متصدعة بلا رؤية ترميم!. وقد وقر فى قلبى جراء ذلك أن التعليم بالفعل خط أحمر لدى القوى العالمية.. تحظر على دول العالم الثالث الاقتراب منه لتطويره أو لإصلاحه؛ إذ المراد بقاؤه على هذه الحالة من التردى؛ ليستمر فى إمداد المجتمع بمخرجات بشرية لا حول لها ولا قوة.. تعيش هملاً وعالة على من ينتجون العلم ويصنعون القوة.. وآية ذلك أن تطوير التعليم وإصلاحه ليس لغزًا، كما أنه ليس سرًا.. وليس أمرًا يحتاج لجان ومؤتمرات وندوات.. فالطريق أوضح من أن تخطئه عين بصيرة مخلصة.. فلطالما عقدت اللجان ونشرت الأبحاث وبُحت الحناجر فى الندوات فى عهد المخلوع محددة معالم الطريق بشأن تطوير التعليم والانتقال به من حالة التردى لحالة العنفوان.. لكن تبعية الإرادة السياسية للمخلوع لما تريده القوى المناهضة لنهضة مصر جعلت كل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح. فمن يختلف على أن أول مطلب من مطالب إصلاح التعليم وتحقيق النهضة المنشودة إنما يتمثل فى تربية المواطنين الصغار داخل المدارس على التفكير الإبداعى.. تلك التربية المنوط بها إمداد المجتمع بمخرجات تعليمية بمقدورها إنتاج المعلومات، التى يتم ترجمتها إلى منتجات فى جميع المجالات.. تباع للآخرين؛ فتتحقق الوفرة الاقتصادية وتتحقق المنعة العسكرية وتتحرر الإرادة السياسية.. ولكن التفكير الإبداعى فى مدارسنا الحالية يصطدم بتلقين المعلمين للمعلومات، وفقر الأنشطة، واعتماد الكتاب المدرسى مصدرًا وحيدًا للتعلم، ومعامل للعلوم "دورات المياه فى بعض البلدان أفضل منها!".. وثقافة الدرجة والمجموع الأكبر التى تسيطر على عقول الجميع؛ ليتجلى كل ذلك فى قتال شرس بين الطلاب للوصول لما تسميه المجتمعات المتخلفة كليات القمة!!. إن طلابًا (مثل نجيبة الخولى فى فيلم الثلاثة يشتغلونها)، يتم التعامل مع عقولهم كمصارف بنكية تودع فيها المعلومات ليتم استردادها منهم يوم الامتحان، لن يكون بمقدورهم صناعة نهضة.. ناهيك أصلاً عن قدرتهم على البقاء بالمجتمع نفسه فى المستقبل على ذات الدرجات المتدنية فى السلم الحضارى القابع عليها الآن!!. ومن يختلف أننا قد عانينا قبل ثورة يناير من تربية القهر والتسلط داخل أسوار المدارس.. حتى غدا الأدب فى عرفنا هو سماع الكلام!.. فشب جيل ينصاع للسلطة الظالمة لا يعصى لها أمرًا!!.. فمن منكم أيها السادة لم يتعرض للطمة من يد معلم على وجهه؟، ومن منكم لم يدفعه معلم للتصرف ضد إرادته ومشاعره؟، ومن منكم لم يتعرض للسخرية والإهانة على يد معلم خلال تاريخه التعليمى؟.. من منكم لم يتعرض لانتقاص حقوقه الإنسانية داخل أسوار المدارس؟، من منكم لم يصرخ فرحًا بانتهاء اليوم الدراسى وتحرره من قهر السلطة التربوية داخل أسوار المدارس؟!. وإذا كانت الحقيقة تقرر أن الإبداع لا يولد إلا من رحم الحرية.. من عقل إنسان نال حقوقه كاملة غير منقوصة؛ فإن التربية على حقوق الإنسان شرط أساسى للإبداع المعلوماتى.. أى أنها تغدو دالة النهضة والتقدم فى جميع المجالات؛ ولذا فإن التخلص من ديكتاتورى الحجرات الدراسية هو الممر الآمن للإبداع ولديمقراطية المجتمع بأكمله. أفزعنى وأسكن الحزن قلبى أن ما كتبناه عن التعليم فى عهد المخلوع مازلنا نكتبه فى عهد مرسى!!.. وأن مشروع "الهندسة الحقوقية للمدرسة المصرية"، الذى تم تسليمه للدكتور إبراهيم غنيم، وزير تربية الثورة، لم يلتفت إليه ولم يهتم به!!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. [email protected]