يأتي عيد الأضحى في العاشر ذي الحجة، يوم النحر وهو خير الأيام كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام "ما عمل ابن آدم يوم النحر عمل أحب إلى الله " وقبله يوم من أفضل الأيام يوم عرفة يوم الحج الأكبر صيامه يكفر سنتين، قال فيه عليه الصلاة والسلام "مارئي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولاأدحر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة" وتعظيمًا لشأن هذه الأيام خصها المولى بالقسم "والفجر وليال عشر.." فعيد الأضحى يحقق معانٍ سامية ومقاصد عظيمة منها تحقيق التقوى "لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم" فالغاية التقرب والطاعة وليس الأكل فقط واستحضار قصة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء حين ضحى بأغلى شيء ابنه إسماعيل عليهما السلام امتثالاً لأمر الله تعالى والإذعان له "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني من الصابرين" فالمغزى من النحر ليس الأضحية بحد ذاتها وإنما نحر وذبح كل حب يشارك حب الله عز وجل وحب رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وأن نقدم لله عز وجل فضائل الأعمال من صدقات "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" التي تحقق أسمى معاني التكافل الاجتماعي، فلك ما تصدقت فأبقيت وما أكلت فأفنيت. إن عيد الأضحى يحمل كل معاني التضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الله وامتثالاً لأوامره سالكين كل الطرق لتحقيق ذلك سواء بالذكر، بر الوالدين، الصوم، الصلاة والصدقات، وصلة الرحم، الجهاد خاصة أن خيرية هذه الأيام العشر تحفز المسلم على مضاعفة الأعمال والصبر على الطاعات. ولكي لا ننجر إلى من يريد أن يفرغ العيد من مضمونه، فعيد الأضحى يوقظ وعي المسلم لإدراك مقاصد العيد وهي استجابة إلى الله وإصلاح النفوس المريضة والآراء من الهوى والعقول المتحجرة وإعلاء قيم التسامح والعفو والرحمة حتى مع الذين نختلف معهم أو يخالفوننا في العقيدة قال تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" وأخيرًا وليس آخرًا علينا أن نتذكر جيدًا في هذه الأيام العظيمة سيدتنا هاجر أم إسماعيل عليهما السلام عندما تركها سيدنا إبراهيم في صحراء "لا ماء ولازرع" لا توجد فيه أسباب الحياة وهي تلقننًا درس في التوكل واليقين في الله "قولتها المشهورة إلى من تكلنا، الله أمرك بذلك؟ إذن لن يضيعنا" درس في السعي إلى الرزق رغم وثوقها بأن الله رازقها "السعي بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء "لكن الله كافأها بما لم يخطر على بالها، فكان قدم رضيعها يضرب بها الأرض هو السبب في تفجر الماء الزلال"زمزم" درس بليغ لنا وخاصة في هذه الأيام التي تكثر فيها ظاهرة التسول حتى أضحت مهنة وثقافة سيئة تنتشر كالنار في الهشيم. لذلك علينا الوثوق واليقين في الله ولو بأبسط الأسباب والارتباط بالخالق لا المخلوق وبالمسبب لا بالسبب، لنتحرر من الذل والخوف ومن القيود المجتمعية وثقافته الاستهلاكية المزمنة ونشيع ثقافة الإنتاج. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. نتمنى لكم عيد سعيد وتقبل الله منكم صالح أعمالكم.