جمال سلطان كنت عائدا من الكويت بعد مشاركتي في ندوة عن " الإعلام العربي .. رؤية مستقبلية " مع وفد من الصحفيين المصريين من المؤسسات المختلفة منهم الأساتذة صلاح منتصر ونبيل زكي وعباس الطرابيلي وأسامة سرايا والإعلامية سناء منصور وغيرهم ، وفور وصولي تم سحب جواز السفر وطلبوا مني الانتظار خمس دقائق ، امتدت إلى حوالي ثلاث ساعات تخللها التحقيق المعتاد عن اسمك وعنوانك ووظيفتك وأين كنت ومن كان معك وماذا قيل في اللقاء ؟! ، هذا المشهد المؤسف تكرر اثنين وأربعين مرة على مدار ثلاث وعشرين عاما ، بدون أن يملوا الأسئلة ، أحيانا كنت أسافر في الشهر الواحد ثلاث مرات يتم المشهد فيها بنفس الطريقة ، وذلك أني مدرج من جهة أمنية لا أعلمها على قوائم ترقب الوصول في أعقاب اعتقال تحفظي في أحداث 1981 ، لم أتهم فيه بأية تهمة ولم أصنف ضمن أي تنظيم أو جماعة ، ورغم أني على مدار هذا العمر كله لم أتهم في أية قضية ولم يصدر ضدي أي حكم قضائي من أي جهة إلا مخالفات الوقوف في الممنوع عند تجديد رخصة السيارة ، كما أني لست منتميا إلى أي جماعة على الإطلاق ولا أي حزب سياسي سوى الحزب الذي تقدمت بأوراق تأسيسه منذ ثلاث سنوات وتم رفضه من قبل لجنة شؤون الأحزاب وكنت أنا وكيل المؤسسين ، ورغم أن كافة نشاطاتي الصحفية والإعلامية سواء برامج تليفزيونية أقدمها لبعض الفضائيات أو مقالات أو كتب أو ندوات وهي حصاد عمري الصحفي على مدار عشرين عاما كلها في ضوء الشمس ، رغم كل ذلك إلا أني ما زلت منذ أربع وعشرين عاما مدرجا على قوائم ترقب الوصول بدون أن أفهم أي معنى أو سبب وبأي وجه كان ، حيث يتم احتجازي لمدة غير محددة بالمطارات ، بعضها امتد إلى سبع ساعات وأذكر مرة أن أطفالي كانوا معي وناموا على بلاط المطار انتظارا للخلاص ، وأذكر من المشاهد المؤلمة لنفسي كثيرا في إحدى المرات أنني أثناء استيقافي وسحب جواز سفري انتظارا للتحقيق هبطت الطائرة الإسرائيلية بعد إعلان إذاعة المطار الداخلية عنها وعلى متنها أعداد كبيرة من السائحين الإسرائيليين ، ورأيتهم يضحكون ويمرحون ويمزحون مع ضباط الجوازات ويمرون عبر البوابات بكل يسر وسعادة وكرامة تودعهم ابتسامات عذبة من السادة الضباط ، بينما أنت ، يا مواطن ، تجلس هذه الجلسة ، ووالله ساعتها لقد حزنت لبلدي ووطني ولم أحزن لنفسي حيث كنت اعتدت هذا الأمر على مر السنين ، وكان بعض الزملاء الصحفيين قد نصحني بلفت انتباه قطاع في أمن الدولة مختص بشؤون الصحافة ، وبالفعل قدمت مذكرة للوزير عن طريقهم وأبدوا دهشة " غريبة " ووعدوا بحل المشكلة خلال أسبوعين ، امتدت إلى سنة تقريبا الآن ، بدون أي جديد ، حيث ما زال " المصدر المجهول " في أجهزة الأمن يصر على وضع اسمي في قوائم ترقب الوصول ويصر على إهانتي في كل مرة أعود فيها لبلادي رغم أن مدة السفر أحيانا لا تزيد على يومين أو ثلاثة أيام ، مرة واحدة حدث أن دخلت البلاد بدون احتجاز ، كان ذلك عند عودتي من الدوحة على ما أذكر ، وكان قائد الطائرة يخبرنا بتعذر الهبوط في مطار القاهرة لانعدام الرؤية ، وعلمنا بعد ذلك بأنه كانت هناك العاصفة السوداء الرهيبة التي أفزعت مصر ، وبعد فترة من الدوران هبطت الطائرة ، وكان هناك حالة اضطراب واضحة ، وفوجئت بختم جواز سفري مثل أي أجنبي يدخل مصر بكرامة ، ولم يستوقفني أحد ، وتعجبت ، وساورتني نفسي أن أعود لأسأل ضابط الجوازات إن كان هناك خطأ في الإجراءات سمح بدخولي مثل أي أجنبي ، وأؤكد له أنني مواطن مصري ، وصحفي معارض ، إلا أن الخبر لم يتأخر كثيرا حيث في سفرة تلتها بأسبوعين تم استيقافي لدى العودة ، فتأكدت من أني ما زلت أحتفظ بجنسيتي كمواطن مصري . [email protected]