الحوادث المرورية في مصر صارت بمثابة المذابح!.. كيف لم تهتز الدولة لمقتل عشرات المواطنين في لحظة واحدة دون داع، هل هو زلزال؟.. إن الزلازل في بعض الدول لا تُسفر عن هذا العدد الهائل. والمؤسف أن هذه الكوارث لم تحرك ساكنًا، فأقصى ما عرفناه من ردود الفعل هو حبس السائق المخطئ، وكأنه الوحيد المسئول! لماذا لم يُحبس من وافق على استخدام سيارة نقل للركاب؛ تحمل العشرات وكأنهم خراف؟ والذي تركها تمر من نقاط المرور دون أن يوقفها؟ والذي لم يجهّز البنية الأساسية للطريق لتحذر وتنبه وتكشف الرؤية أمام السائقين؟ والذي يمنح رخص قيادة لغير المؤهلين؟ والذي جرّأ السائقين على السرعة الجنونية دون خشية من القانون؟ إن ضحايا الحادث المروري بسيناء مثلاً أكثر عددًا من ضحايا الهجوم الإرهابي هناك، وهذا يثبت أن الإهمال أشد قسوة على المصريين من الإرهاب، والمفزع أن الإرهاب مجهول الفاعل ولكن (الإرهاب التقصيري) معلوم، ولا أحد يحاسبه. وإذا تتبعنا أخبار الحوادث في مصر نجد أرقامًا مروعة: تحطم (10) سيارات نقل في 3 حوادث في يوم واحد بطريق واحد، مصرع عدد كبير من السياح الأجانب (بحادث مروري)، سقوط شاحنة من أعلى كوبري!... الخ. أعداد هائلة من القتلى الذين يسعون على أرزاقهم، وكأننا صرنا حشرات تداس بأقدام المشاة! كيف تقع كل هذه الحوادث يوميًّا ولا يتحرك أحد لبحث ظاهرة مؤسفة تبتلع أسرًا كاملة أو ركاب حافلة أو سيارة بالكامل؟!. نعلم أن الأوضاع الموروثة من المخلوع تشكل عبئًا ثقيلاً، ولكن ماذا فعلت حكومة الثورة لتقليل أو منع هذه الكوارث؟ لقد حان الوقت لإلغاء شماعة القضاء والقدر الذي يختارنا دون خلق الله بأغلب دول العالم. لماذا يكثر عدد ضحايانا, وتتضخم الخسائر الاقتصادية دون مبرر؟ أليست هناك دلالات يمكن الاستفادة منها واحتياطات للعمل على تقليل الحوادث وعدد الضحايا؟!. أفيقوا أيها النائمون, فنحن أمام كارثة, وهي لا تقتصر على الطرق السريعة, بل تصل إلى شوارع المدن, ومنها العاصمة, وهذا يعني أن هناك شيئًا ما خطأ لابد من البحث عنه وإيجاد السبل الكفيلة بعلاجه. والواقع أن حوادث الطرق تعتبر من المشكلات اليسيرة لو وجدت النية الصادقة لإيجاد حلول لها.. فنحن نعلم كيف يحصل الناس على رخص القيادة بسهولة غير عادية لدرجة أن دولاً عربية لا تعترف بالرخصة المصرية, ونعلم ما يحدث أثناء الفحص الفني للسيارات عند تجديد الرخص, ونرى كيف تسير السيارات دون اضاءة خلفية ولا يوقفها أحد, ونعاني من الشاحنات التي تحمل الرمل والزلط مكشوفا وتقذف به على من خلفها, ونشاهد التقاطعات الخطرة التي تحدث بها تصادمات يومية دون أن يكلف مسئول نفسه الأمر بوضع تحذير أو إشارة, ونمر في كل مكان على المطبات والبالوعات التي تفاجئ السائقين فيضطرون للانحراف المفاجئ والاصطدام بخلق الله أو بالسيارات الأخرى, ونعاني من الشاحنات التي يصر قادتها على احتلال يسار الطريق معطلين من وراءهم، ونرى أكوام الأتربة على الطرق! كما أن مصر هي الوحيدة في العالم التي نشاهد فيها سيارات الأجرة وهي تقف لتحميل وتفريغ الركاب بمطالع ومنازل الكباري ومداخل ومخارج الشوارع والتقاطعات الخطرة، وتجد صناديق القمامة على يسار الطريق! وهناك الجهل بقواعد المرور وإهمال الصيانة الدورية للمركبات, والسائقون المهنيون غير المؤهلين الذين لم يهتم أحد بتعليمهم سلوكيات التعامل مع الآخرين, أو حتى حمايتهم من داء الشم و السكر أثناء القيادة. المفروض أن قوانين المرور مصممة بالأساس بناءً على البنية الأساسية المرورية بالطرق والشوارع، وهي التي يبنى عليها ضبط الحالة المرورية وتغريم المخالفين.. والطرق في مصر حالتها معروفة؛ فليس لدينا شبر واحد مطابق للمواصفات. كما أن هناك عجزًا خطيرًا في وسائل الإرشاد.. فلا نرى الشواخص العادية المنتشرة بالعالم مثل: قف, أفسح الطريق, لليمين فقط, ممنوع الدخول... الخ. وعلى الرغم من أن أهم أسباب الأزمة المرورية هو كثرة السيارات المتوقفة بالشوارع بسبب النقص الحاد في أماكن الانتظار المعتمدة, والتي تخنق المرور وتسبب الاحتكاك والمشاجرات وتعطيل الحركة.. فلم يفكر أحد في تحديد أماكن الانتظار برسم برواز أبيض بالأماكن المسموحة, وهذا يعني أن الوقوف خارجها ممنوع ويؤدي إلى الغرامة. كما أن أفراد الشرطة المرورية غير مهيئين لفرض النظام, فقد رأينا في كل الدول التي سافرنا إليها أن الشرطي دائمًا موجود ويسبق الجميع إلى مكان العطل أو الحادث, ولمسنا جاهزية الشرطة في التعامل (تلقائيًّا) مع أية أحداث طارئة يمكن أن تؤدي إلى تعطيل المرور أو وقوع حوادث.. مثل تعطل سيارة بالطريق, أو تجمع مياه الأمطار, أو هبوب عاصفة ترابية, أو وجود ضباب كثيف, أو انقطاع الكهرباء عن إشارات مرور ضوئية... الخ. وليس مطلوبًا بالطبع أن يوجد شرطي في كل شبر من أرض المحروسة, ولكن أن يكون لدينا الشرطي المتحرك (من تلقاء نفسه) للمراقبة وتخويف المخالفين والمستهترين. وهناك إجراءات كثيرة تساعد على الرقابة الذاتية وتجعل من المواطن شرطيًّا اعتباريًّا إن وجدت التعليمات الواضحة التي تحرج المخالف, وقد سبق أن طالبنا مثلاً بتحديد اتجاهات السير بالشوارع المتجاورة ليصبح أحدها للذهاب والآخر للإياب, وهذا يضبط السير بها دون حاجة للشرطي لأن المخطئ لن يجرؤ على المكابرة. لن ينضبط المرور وتقل الحوادث قبل تأسيس بنية تحتية مناسبة، ووجود شرطي مؤهل متخصص ومتحرك. همسة: •قرأنا أن الحكومة ستخصص 5 لترات بنزين للأسرة يوميًّا.. وهذا لا يكفي في ظل الواقع الحالي حيث الطرق مدمرة ومملوءة بالحفر والمطبات والبالوعات، والمرور (جنائزي) يستهلك الوقود دون تقدم للأمام، فأغلب الوقود يحرق عبثًا دون فائدة!. إن متوسط معدل السرعة الحالي لا يزيد عن 30 كم/ ساعة.. لذا فالمطلوب هو ضعفا هذه الكمية من البنزين لحين إصلاح الطرق وحل مشكلات المرور الجنائزي. [email protected]