منذ جاء الإسلام وهو يقول للبشر كلهم بالفم المليان : لكم دينكم ولي دين / أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ / لست عليهم بمسيطر / فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ! / إن عليك إلا البلاغ / ليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء .. وتبلور هذا المفهوم عبر سنين كثيرة ، ونصوص عديدة ، وممارسات لا تحصى ، بالأمر بكف اليد ، وترك الحرب ، والدعوة للعقل ، وتدبر القرآن كله ، والتفكر في ملكوت السموات والأرض ، وإعمار الدنيا ، والقيام بواجبات الاستخلاف فيها ، والتذكير بالآخرة والحساب والرجعى إلى الله تبارك وتعالى . لكن الإسلام فوجئ بمن يقول له لا ، انت كخة ، ومرفوض ، ومش عايزينك ! فوجئ بمن يتربص بنبيه صلى الله عليه وسلم ، ويتآمر عليه ، ويقول له : اِنت وحِش / اِنت ساحر / اِنت كاهن / انت مجنون / تفرق بين الأحبة ، وتُذهل الخليل عن خليله ! ثم انتقل الأمر من الكلام إلى الفعل ، فدخل خصوم الإسلام في لعبة كتم الصوت ، وقطع الألسنة ، وقهر الضعفاء ، وتعذيب الغلابة ! ثم انتقلوا إلى سيدي صاحب الرسالة ذاته - صلى الله عليه وسلم - وخططوا للانقضاض عليه - ليثبتوه ، أو يقتلوه ، أو يخرجوه - كما استخدموا سلاح الشائعات ، والتحطيم المعنوي ، والعزل والحصار الاقتصادي ، فلم يكن بد من أن يدفع المستضعفون عن حياتهم المادية ، وعقيدتهم الربانية ، في مواجهة التغول الجاهل ، الذي لا يحترم الرأي الآخر ، ولا يفسح للتصحيح والتجديد ، بل يريد أن يصادر عقائد الناس ، ويتحكم في قلوبهم ! وقد حصل هذا تمامًا مع حواريي سيدي المسيح عيسى عليه وعليهم السلام ، الذين كان البرابرة الرومان يلقونهم للأسود الجائعة لتأكلهم ، في مشاهد مروعة موجعة ، يتسلى بها ولاد ال... ، قساة القلب ، المتفرعنون حتى يومنا هذا .. كما حصل تمامًا مع أصحاب سيدي موسى بن عمران عليه وعليهم السلام ؛ الذين استأصل منهم فرعون - عليه لعائن الله وعلى كل متفرعن - جيلاً كاملاً من الأطفال الرضع ، في سابقة تاريخية لم تحصل في الدنيا من قبل ولا من بعد ؛ وإن كان الفراعنة الذين جاؤوا من بعد - كذلك - يستأصلون أجيالاً وراء أجيال ، من المراهقين و الشباب ؛ دون أن يطرف لهم جفن ، أو تهتز منهم جارحة ، واسألوا ما حصل في رواندا وليبيريا ، أو في البوسنة والبلقان ، أو الشيشان وأفغانستان ، أو حتى في أوربا في الحربين الكونيتين الشهيرتين ! ودائمًا ما يتقن الباطل اصطناع الذرائع ، واختراع الحجج ؛ ويقدم للرأي العام ما يسوِّغ للناس وحشيته ، وإرهابه ، وسعيه لاستئصال الدين والمتدينين ؛ فحتى فرعون الأهبل ، الذي كان يعبد الخنافس والكِباش والكوبرا والمية والشمس والهوا ، ويقدم لها القرابين ، ويشعل لها البخور ، والذي كان يستخف بشعبه وناسه ، ويقول لهم ، أنا ربكم الأعلى ! ويسخِّر عباد الله الغلابة ، ويعتمد السحر والشعوذة والخرافات في تسيير ملكه ، والذي كان ينكح أخواته ومحارمه ، كان - مع هذا كله - يرى أن موسى وأخاه عليهما السلام مفسدان في الأرض ، متآمران عليه وعلى الناس ، يريدان قلب حياة الناس ( الهنيئة ) رأسًا على زفت ، وأن طريقته هي المثلى / العظيمة / التُّبّ / اللي ما تخرش المية .. لهذا جمع السحرة ، وأطلق الشائعات ، ثم لجأ للترويع ، والاستئصال ، وللحرب ضد ناسٍ عزّل عجزة ، لا حول لهم ولا قوة . وهكذا تجر الأديان دائمًا لمواجهات لا تريدها ، ثم يتهمها كل فاسخ أخلاقيًّا وآدميًّا وحضاريًّا ، بالتحجر والظلامية والهمود ، لأن مراده تعبيد البشر لغير الله تعالى ، وتسخيرهم لصالح أفراد يرفعون أنفسهم - بلسان الحال أو بلسان المقال - إلى مستوى من لا يسأل عما يفعل - سبحانه - ويجدون من كدابين الزفة والمطبلاتية وحملة البخور ألف هامان ، وألف أبي رغال ، وألف ابن علقمي ، وألف خصي من فصيلة كرزاي ، وعلاوي ، وقديروف ! الإسلام لم يمنع الناس أن يعبدوا ما شاؤوا ، حتى المجوس الذين كانوا ينكحون محارمهم ، اعترف بهم الإسلام ، وسواهم بأهل الكتاب من اليهود والنصارى ! الإسلام لم يمنع الناس أن يعبدوا ما شاؤوا ، إذا لم يفرضوا بالقوة عقائدهم على المسلمين ، ويطاردوهم ، ويلبسوا عليهم دينهم ، فإذا حصل ذلك ، فللمسلم - من خلال دولته - أن يحمي نفسه وعقيدته ( أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير ) .. الإسلام لم يمنع الناس أن يعبدوا ما شاؤوا ، بل أمن أهل الكتاب على صلبانهم وكنائسهم وعباداتهم وعوائدهم ، بأمانة الله تعالى ، وضمانة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واعتبر من يخفر ذمتهم خائنًا لله ورسوله . لكن بسوء سلوك بعضنا ، وبسوء فهم بعضنا ، وبسوء أداء بعضنا ، أخذوا - عبر وسائل الردح الإعلامية في أنحاء العالم - يلعنون جد الإسلام ، ويتفننون في تشويهه ، وإلصاق أخس التهم به ، ويصورون المسلم على أنه مصاص دماء ، وآكل لحم بشر ، وسادي يستعذب الصراخ وإيلام الآخرين ؛ مع أن الحقائق تدمغ هؤلاء الآخرين بشكل صارخ ، وتقول لهم : انتم ما عندكوش ريحة الدم ولا الإنصاف ؛ فقد نقلتم للآخرين أمراضكم المزمنة ، وألصقتم ما بكم من نقائص ومخازٍ ، بأبرياء لا يملكون شيئًا ، وصرتم كالتي ترمي بدائها وتنسل ، قائلة لمن يعرفونها حق المعرفة : أنا أشرف واحدة في الدنيا ، أنا ربة الصون والعفاف ! والبينة على من ادعى ، فهاكم بيناتي : أولاً : الإسلام مهمشٌ بل منحىًّ بل معزول بل مبعدٌ بل مغيبٌ من زمن طويل ، والأمة جربت كل الألوان والأفكار والإيديولوجيات - بعجرها وبجرها ، حلوها ومرها ، ما يمدح منها وما يذم ، وما يحمد وما يعاب ، على رأي عمنا الكبير الدكتور طه حسين - ففي القرن العشرين الفائت كانت النخبة المصرية ( الإيليت ) فرنسية الهوى واللسان زمانًا ، ثم رماها الريح العقيم نحو انجلترا .. وما نفعتش .. ثم بدا لها أن تكون شيوعية الهوى ، عاشقة للجهة الشرقية ، في إهاب اشتراكي ، وشجعت القطاع الهام ، والمنظمات الاشتراكية ، والتأميم ؛ مغنية للمارقين ممن رفضوا الإلحاد منهجًا : ( هانزمّر كدهه ، ونطبل كدهه ، ونقول لك يا عديم الاشتراكية ! ) رغم الدندنة أحيانًا بأغاني عدم الانحياز ( إلا للاشتراكية زي تيتو ) .. وما نفعتش ! ثم بدا لها أن تنقلب للنقيض ، فلعنت القطاع العام ، والتأميم ، والحزب الواحد ، ودعت للتعددية ، والليبرالية والخصخصة ( نقيض العمعمة أو دعم القطاع العام ) وبرضه هاتنفع ! وبعد عداوة أميركا والعام سام ، صارت أعلامه ترفرف في كل مكان .. فهل كان الإسلام في الدساتير إلا نصًّا للبركة ( المصدر الرئيسي للتشريع ) ثم كان كل ما لا يتفق مع الإسلام بعد ذلك ؟ فإذا عارضت قيل إنك جامد متخلف ، وربما قيل إرهابي مطلوب ! ثانيًا : علمنة المجتمعات الإسلامية تجري على قدم وساق من زماااااان ، وتنحية الإسلام ( على ودنه ) أحيانًا لصالح الفرعونية ، وأحيانًا لصالح العلمانية ، وأحيانًا لصالح قبضايات رأس المال ، الذين يعتقدون أن الإسلام سيشل فاعليتهم في الالتهام ، وسيغل أيديهم عن الحرام ! ومظاهر هذه العلمنة بارزة جلية في الإعلام والتعليم والكباريهات والقرى السياحية والاقتصاد والأدب والفن وخلافه ، يبقى ليه تظلموا الإسلام ؟! ثالثًا : الإسلام متهم بقصف الأقلام ، ومصادرة الإبداع ، وقمع الفن والأدب ، فهل هو الذي يحكم فعلاً منذ 1900 للنهارده حتى يتهم بهذا ؟؟ وهل هو الذي صادر الصحف ، وألغى الأحزاب ، وبهدل المثقفين ، وأعدم الدعاة والمفكرين ، وسجن بتوع حقوق الإنسان ، وأصر على أن يقطع ألسنة شباب ( خضر ) بدون خبرة ، ولا فهم ، ولا معرفة بشيء ؟ رابعًا : الإسلام متهم بتهديد الناس في حيواتهم وأمنهم ، وهذه أضحوكة عجيبة ، فإن أكثر القابعين في السجون من دعاته ، وأكثر من قامت ضدهم مذابح جماعية من أبنائه ، وأكثر من خسروا وظائفهم ، وشردوا عن عائلاتهم ، وفقدوا مستقبلهم هم من أهله ! أليس هو الذي تشن الليبراليات سادنة الديمقراطية الحرب عليه في أنحاء الدنيا ، وتتنادى لاجتياحه ؟ وإلا ما بال البلقان والشيشان وأفغانستان وفلسطين والعراق ، وقريبًا سوريا والسودان ، والله أعلم فين كمان ! وهل الإسلام الغلبان هو الذي شن الحربين العالمية الأولى والثانية ؟ وهل هو الذي زحف إلى كوريا وكوبا ، وإلى فييتنام والفوكلاند ؟ وقتل في القرن العشرين وحده ما يزيد عن مائة مليون من البشر ؟ وهل هو الذي يستخدم القنابل الألف رطل ، والأباتشي ، ورصاص دمدم ، والنابالم ، واليورانيوم المنضب ، والغازات السامة ؟ وهل قدم الإسلام فيلمًا منحرقًا ، أو مسلسلاً يهاجم القيم ، أو أغنية من ماركة الحب دح دح ، أو أقام بارًا ، أو فتح دارًا عشان لا مؤاخذة ، أو شجع الشذوذ الجنسي ، وعبادة الشيطان ؟ وهل المسلمون هم الذين هربوا أموال الشعوب ، وأفسدوا المؤسسات ، وباتوا - من دماء الغلابة - يلعبون مع أصحاب المليارات بس ؟ وهل هو الذي جوع الناس ، أو دفعهم للانحراف والرشوة ونهب المال العام ؛ عشان ياكلوا يا عيني ؟! وهل هو الذي ألف الأغاني الغزلية في عيون القائد الملهم الخالد الباسط الرازق ، ثم سبه ، ونشر غسيله إذا خرج منها ، كالعادة العربية العتيدة ؟ الإسلام والله بريء ، وعصابات ( حبسك عليه ) تمسح به الأرض ، لأنه لو ترك على راحته فسيكشف عن الكثييييييييييير من الزبالة ، والروايح العفنة .. والخبر الذي نشرته ( المصريون ) أخيرًا باتجاه أميركا نحو الحوار مع الإسلاميين في مصر - إن صح - سيميط اللثام عن الكثير من الزيف الإعلامي ، وجعجعة المحاسيب والخصيان مشعلي البخور ؟ الإسلام رحمة وحرية واختيار ، حتى لو عبد بعض الناس الصراصير والبقر وأي حاجة .. بس سيبوا الناس يعبدوا ربنا يا هوه .. خلوا الناس في حالها .. الله يهديكم ! [email protected]