كثيرون منا يعرفون الفنان الراحل أحمد زكي، ولكن قليلون هم الذين يعرفون الدكتور أحمد زكي الكاتب والعالم واللغوى والمفكر. وُلد أحمد زكي محمد حسين عاكف والذي اشتهر باسم أحمد زكي في الخامس من أبريل عام 1894 بمدينة السويس وبدأ دراسته الابتدائية بها، وحينما انتقل والده إلى القاهرة التحق بمدرسة أم عباس الابتدائية، وظل بها حتى أتم المرحلة الابتدائية عام 1907، ثم التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية، ومنها نال الشهادة الثانوية عام 1911، وكان ترتيبه الثالث عشر على القطر المصري. التحق أحمد زكي بمدرسة المعلمين العليا، وبعد التخرج منها عام 1914م، عمل مدرسًا بالسعيدية الثانوية، ثم رشح للسفر في بعثة إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه، لكنه لم يلحق بالبعثة بسبب رسوبه في الكشف الطبي. عمل في ميدان التدريس، فاشتغل مدرسًا بالمدرسة الإعدادية الثانوية، وهي مدرسة غير حكومية قامت في العقد الثاني من القرن العشرين بجهة الظاهر (حي بالقاهرة) عمل بها مجموعة من أعلام الأدب أمثال: عباس محمود العقاد، أحمد حسن الزيات، ثم اختير ناظرًا لمدرسة وادي النيل الثانوية بباب اللوق بالقاهرة. في عام 1919م، استقال من وظيفته وتوجه إلى إنجلترا على نفقته الخاصة طلبًا للتخصص في الكيمياء، وهناك التحق بجامعة ويتنجهام حيث زامله فيها علي مصطفى مشرفة، ثم تركها إلى جامعة ليفربول، ونجحت مساعيه في أن تلحقه الدولة ببعثتها الرسمية، ثم حصل على شهادة بكالوريوس العلوم من ليفربول عام 1923، ثم دكتوراه الفلسفة في الكيمياء عام 1924، ثم انتقل إلى جامعة مانشستر لمواصلة البحث العلمي، فأمضى بها عامين، ثم التحق بجامعة لندن وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم عام 1928، وهي أرفع الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات، وكان ثالث مصري يحصل عليها بعد على مصطفى مشرفة وعبد العزيز أحمد. بعد عودته من إنجلترا عين أستاذًا مساعدًا للكيمياء العضوية في كلية العلوم، ثم أستاذًا عام 1930، ليكون أول أستاذ مصري في الكيمياء، ثم شغل منصب مدير مصلحة الكيمياء عام 1936م، ثم أسس المركز القومى للبحوث عام 1947، واُختير وزيرًا للشئون الاجتماعية عام 1952. كان الدكتور أحمد زكي علماً من أعلام الثقافة العربية في مرحلة المد القومي (الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي)، ويعتقد أنه كان صاحب اليد الطولى في توجيه العقل العربي خلال تلك المرحلة عبر رياسته لتحرير مجلة العربي الكويتية عند تأسيسها وذلك قبل ظهور الفضائيات والإنترنت ، فكانت تلك المجلة هي درة المناهل الثقافية في ذلك العصر بفضل سياسة التنوع والوسطية التي انتهجها الدكتور أحمد زكي، إذ جعلها مجلة شاملة سياسية ثقافية دينية أدبية اجتماعية فنية رياضية مصورة، إضافة إلى ذلك كانت تصدر في قطع صغير وطباعة فاخرة، وكان ثمنها زهيدًا فسهل على الكثير من العرب في شتى الأقطار العربية اقتناؤها. وحظيت صفحات العربي بشرف استضافة صفوة الأقلام العربية وفي مقدمتهم الدكتور أحمد زكي نفسه إضافة إلى أحمد بهاء الدين وفهمي هويدي وسنية قراعة وحسان حتحوت والسقاف وغيرهم، وكان رئيسًا للاتحاد الثقافي المصري وعضواً في مجامع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد. وقد كان قبول الدكتور أحمد زكي للإشراف على إصدار مجلة العربي عام 1957 تضحية كبيرة، إذ لم تكن الكويت في ذلك الوقت بمثل ما هي عليه الآن من الروعة والرفاهية، وكانت الحياة فيها شاقة على من نشأ في المدن الكبيرة، وعلى الرغم من ذلك دفعه النجاح الكبير والسريع لمجلة العربي إلى البقاء هناك لأكثر من عشرين عاماً حتى أقعده الكبر والمرض عن العمل . من أشهر كتبه موسوعته الشهيرة (في سبيل موسوعة علمية) وهي موسوعة شاملة لجميع فروع العلم معروضة بأسلوب أدبي رائع. وقد توفى فى مثل هذا اليوم عام 1975م.