رغم قناعتى أن مطالبنا نحن الأطباء مطالب مشروعة وأن مهنة الطب فى مصر تحتاج إلى نظرة خاصة واهتمام أكثر وعناية أكبر من قبل الدولة والحكومة من أجل إصلاح منظومة القطاع الصحى والارتقاء بها إلا أننى أسجل تحفظين على إضراب الأطباء, ولكننى قبل أن أذكرهما أود الإشارة إلى عدة أشياء ينبغى أن توضع فى حسبان كل من أراد أن ينتقد إضراب الأطباء أو يهاجمهم من أجله, حتى يترفق بهم ويعلم أنهم فصيل من المجتمع لحق به من الظلم والأذى والغبن كغيره من الفصائل. - فالطالب الذى يلتحق بكلية الطب نعلم جميعًا أنه من أكثر الطلاب اجتهادًا وكفاءة وتحصيلاً للعلم وأنه قد بذل من الجهد والسهر والتعب ما لم يبذله غيره, فضلاً عما أنفقه عليه أهله من الدروس الخصوصية والملخصات الدراسية حتى يستطيع التفوق والحصول على المجموع الذى يؤهله لدخول كلية الطب, ولكن هل استراح بعد دخوله الكلية؟ أم تبدأ معها رحلة معاناة أخرى؟ - الطبيب يدرس الطب سبعة سنوات كاملة إذا أضفنا سنة التدريب (الإمتياز ) إلى سنوات الدراسة ينفق فيها من الجهد والتعب و الأموال حتى يتمكن من التخرج من الكلية و ممارسة مهنة الطب, ولكن ليس هذا هو نهاية المطاف بالنسبة له. - عندما يتخرج الطبيب من كلية الطب تبدأ معه فترة التكليف بمرارتها و سنوات النيابة بمعاناتها, ورحلة التسجيل فى الدراسات العليا, والحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراة أو حتى الدبلوم, حتى يتسنى له فتح عيادته وممارسة تخصصه الذى يختاره, وهذه الرحلة يعرف كل من خاضها مدى تكلفتها المادية والنفسية والجسدية والذهنية على الطبيب ولكن لا مفر منها. -عندما ينتهى الطبيب من هذه الرحلة يُفاجأ أنه لم يقدم شيئًا لنفسه, وأنه لا يملك ما يستعين به على متطلبات الحياة من زواج وبناء أسرة وتحقيق حياة كريمة, كما أن الناس والمجتمع من حوله يتعاملون معه على أنه طبيب و دخله ما شاء الله. - و الأدهى من ذلك و الأمر أن يجد الطبيب أن من لم يبذلوا مثل جهده, و لم يتعبوا مثل تعبه, ولم ينفقوا مثل ما أنفق, ولم يتفوقوا مثل ما تفوق, يتقاضون من الأجر أضعاف ما يتقاضاه الطبيب, فلا أقول موظفى الضرائب والكهرباء والبنوك و لكن العمال فى هذه الهيئات يزيدون عن الطبيب فى مرتبه وحسبك ما قاله نقيب الأطباء السابق د/حمدى السيد وهو يجسد هذه الحقيقة "إن كثيرًا من الأطباء الشباب لا يملكون ثمن حذاء جديد". - ونظرًا لخبرة الأجيال السابقة من الأطباء و المتراكمة لدى الأجيال الجديدة, فإن الطبيب حاليًا يحاول منذ بداية حياته المهنية أن يكوٍّن نفسه ويبحث عن المستوى المادي الذي يضمن له حياة كريمة, سواء بالسفر إلى خارج البلاد, أو بالبحث عن العمل الخاص فى المستوصفات الطبية أو المستشفيات الخاصة أو غيرها, وبالطبع يكون ذلك على حساب مسيرته المهنية وتفرغه التام لبناء نفسه علميًا وفنيًا ومهنيًا, وأيضًا على حساب العمل الحكومى الذى لا يتقاضى فيه ما يضمن له الحياة الكريمة التي تتناسب مع ما أنفقه من جهد وتعب ومال ووقت من أجل أن يكون طبيبًا, بل ربما استقال و ترك المهنة أصلاً و شخصيًا أعرف أحد الزملاء فضل العمل كمضيف بشركة طيران واستقال من مهنة الطب من أجل الحصول على دخل كريم ومحترم. هذه هي محنة الطبيب في مصر والذي فاض به الكيل وطف معه الصاع, و هو يري مرتبات الجيش والشرطة والقضاء تتضاعف مع كل موازنة, بينما مرتبه محلك سر, وهو يشاهد كل من يتظاهر من حوله و يضرب في عمله تتم زيادة راتبه حتى مضيفى الطيران الذين يتجاوز مرتب أقل واحد فيهم الخمسة آلاف جنيه تتم الاستجابة لمطالبهم, و قد قال لى أحد زملائى الأطباء الشبان لو أعطونى خمسة آلاف جنيه فى الشهر أنام لهم فى المستشفى, ولكنه الطبيب الذى لا يستحق مثل هذا التقدير و كما قلت سابقًا أنه رغم كل ما ذكرت إلا أن لى تحفظين على هذا الإضراب ستكون لى وقفة معهما فى مقال قادم بمشيئة الله تعالى.