أشرت بالأمس إلى خيانة الأنظمة العربية للمقاومة والانتفاضة ، وهي مسألة تؤرقني منذ سنوات ، وكتبت عنها منذ عامين في جريدة (آفاق عربية) تحت عنوان "ماذا تريد مصر من المقاومة؟". وكنت قد تناولت نفس هذه القضية في هذا المكان منذ أسابيع وأجد نفسي مضطرا للعودة إليها لما أستشعره من خطر محدق ليس فقط بفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وإنما بمبدأ المقاومة نفسه ، خاصة وأنه يحكمنا حكام لاهم لهم في الدنيا إلا تأمين عروشهم بفرض عجزهم علينا من أجل إرضاء واشنطن وتل أبيب . وكان إيلي مويال رئيس بلدية سديروت ، التي تعاني من صواريخ القسام ، قد أكد مؤخرا أن "الدعم الأوربي والأمريكي واليساري الذي تتمتع به إسرائيل يبيح لها إنزال ضربة قاضية بغزة". ونسى مويال أن يضيف الدعم العربي لإسرائيل ، والذي يتخذ أشكالا متعددة منها التطبيع والتسكين والتخدير والتعتيم وإعادة السفير وتوقيع الكويز وتصدير الغاز، وكل ما يخدم أغراض شارون وأجندته بينما القدس تتهود وسور الفصل العنصري يجري تشييده. وكان صلاح بديوي قد كتب تقريرا في (المصريون 28/9) نقل فيه عن مصادر فلسطينية تأكيدها بأن الوفد الأمني المصري المتواجد في قطاع غزة لم يواجه صعوبة في إقناع (حماس) بوقف العمليات ضد الإسرائيليين بعدما وجدت حماس نفسها أمام تنسيق ثلاثي بين حكومة شارون وسلطة عباس وحكم مبارك ، وأن هذا التنسيق الأمني رفيع المستوى ألحق بحماس خسائر كبيرة. واضافت هذه المصادر أن إسرائيل طبقت التجربة المصرية بتوجيه ضربات إستباقية إلى أعدائها لمنعهم من الترشح في الانتخابات . فهذا ما يفعله حكم مبارك منذ سنوات مع قيادات الإخوان المسلمين . وهذا ما فعله شارون مع مروان البرغوثي لكي يضمن ألا يتنافس أمام أبو مازن في الانتخابات ، ويفعله الآن باعتقالات طالت المئات من الصفوف الأولى والثانية والثالثة من قيادات حماس والجهاد في الضفة حتى لايتمكنوا من الترشح في الانتخابات التشريعية القادمة أمام معسكر أبو مازن. شارون يستغل تشجيع المجتمع الدولي له في الأممالمتحدة وتصويره كرجل سلام على حد تعبير بوش وهرولة باكستان إليه ، يستغل كل ذلك ليحصد المزيد من المكاسب في طريقه إلى تصفية المقاومة كضرورة لتصفية القضية والاستفراد بالاقصى. غير أن سلاحه الأمضى في هذه الحرب على فلسطين ومقدساتها هو الخيانة العربية. فلولاها لما أصبح اليوم في حكم المستحيل على المقاومة أن تقوم بعمليات إستشهادية في العمق الإسرائيلي. ولولاها لما تمكن شارون من رفع سقفه إلى درجة تمكنه من إرتكاب مجازر كرد على عمليات للمقاومة ، فيجد تفهما من قيادات الغرب . ولهذا السبب تتمسك الإدارة المتصهينة في واشنطن بنظام حكم الرئيس مبارك ووريثه القادم لأن الدور الذي يلعبه في المنطقة ، من ناحية التمكين لإسرائيل وفرض العجز والفشل على مصر والعرب ، هو دور يستحيل الإستغناء عنه أو المخاطرة به بتجربة بديل آخر غير مضمون ولاءه من المعارضة المصرية . ولذا يقوم المسئولون الأمريكيون تباعا بالتغطية على مهازل الاستفتاء والانتخاب وتبرير المماطلة في تنفيذ إصلاحات ذات جدوى . وبالتالي على المعارضة أن تدرك أنها في الانتخابات القادمة تقف ليس فقط في مواجهة مرشحي مبارك وجيوش النفاق والبلطجة والفساد وإنما هي تقف أيضا ضد رغبة أميركا في استمرار نظام العجز والفشل. [email protected]