في مضمار السباق يتبارى اللاعبون للوصول إلي الفوز وتحقيق الربح ولأنها مسابقة فإنهم يتنافسون ببذل قصارى الجهد ليكون أحدهم هو الرابح الذي يحصد الميداليات والجوائز والتقدير المادي والأدبي لمواساة الآخرين يقال لهم حظ سعيد في المرة القادمة. في المنافسة السياسية بين مرشحين لعضوية البرلمان عن نفس الدائرة، يكون فوز أحدهما معناه خسارة الآخر ولذلك يبذل كل منهما ما في وسعه ليس فقط لتحسين صورته أمام الناخبين بل أيضاً لتشويه صورة الآخر وتاريخه والطعن فيه بالحق والباطل. إنها أصول لعبة المنافسة إما أنا أو أنت ، ولابد أن تخسر أنت لأفوز أنا ، أي الفوز والخسارة بكل تبعاتهما وتداعياتهما هما وجهان لعملة واحدة هي التنافس ، يشبه الأمر في وجوه كثيرة لعبة الكراسي الموسيقية فعلي أنغام موسيقي الحماس والطموح تدق طبول المنافسة ويدور اثنان حول نفس الكرسي ليفوز أحدهما ويعتليه بينما يسقط الآخر أرضاً بعد أن تمت الإطاحة به. فلسفة المنافسة تري الحياة من منظور خطي كأن الناس جميعاً تقف صفوفاً وطوابير والفوز دائماً للأسرع والأوفر حظاً. تشيع تلك الفلسفة روح السخط التذمر والإحباط لدي الغالبية التي لا تصل أبداً إلي نهاية الخط وتري حظوظ الدنيا يتم تخاطفها واقتسامها من حولها وهي لا تملك سوي الترقب الحسير. كما أنها وهذا هو الأخطر تشيع الرغبة في الاستئصال عند المتعصب الذي تضيق أمامه مسالك الحياة فلا يري إلا الطريق الذي اختاره هو وطائفته ويريد أن يحشر الجميع قسراً فيه وفي سبيل ذلك تندلع الحروب وتتم أبشع المجازر حتى أصبحت نشرة الأخبار العالمية تفوق أفلام الرعب فيما تحتويه من مشاهد العنف والقسوة والوحشة. فلسفة التنافس هي فلسفة غربية قام علي أساسها المجتمع الرأسمالي الجبار الذي لا يهتم سوي بالفائز ولا يلقي بالاً بالخاسرين الذين تسحقهم الأقدام ، وهي رؤية باطلة ولا تتفق مع الفطرة الإنسانية. كما تتعارض مع فلسفة الحضارة الإسلامية التي تدعو إلي التراحم والتكافل والتكامل بين البشر والتي شرعت الزكاة والصدقة وكفالة اليتيم ومعاونه المحتاج ، والتي عاش الناس في ظلها في رخاء وأمان لم تعرفه البشرية قط حتى صارت الزكاة تعود إلي بيت المال لعدم حاجة الناس إليها. في ظل الرؤية الإسلامية نحن جميعاً شركاء في الحياة ومن الممكن أن يفوز الجميع كل بحسب جهده ويحصل كل إنسان علي ما يكفيه ويرضيه من كعكة الرزق وحظوظ الدنيا. نحن لسنا في سباق تنعدم فيه الرحمة والإنسانية بل إن أعلي خير يقدمه الإنسان هو أن يمد يده لمن تعثر أو سقط أو ضعفت ساقاه عن حمله ليقيل عثرته ويعينه علي النهوض ومواصلة السعي في الحياة من جديد. كما أن الحياة أرحب مما يظن أصحاب النظرة الضيقة وهي تتسع للجميع بكل أطيافهم واختلافاتهم وتناقضاتهم يقول تعالي " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير" (13 الحجرات)، خلقنا الله من أب ومن أم واحدة ثم أصبحنا قبائل وشيعاً متفرقة لنتعارف ونتعاون ونستثمر أعمارنا المقدرة لنا فيما يفيد البشرية وليس لنتطاحن ونسفك دماء بعضنا البعض ويصر كل فصيل أنه الوحيد الجدير بالحياة. ويقول تعالي " ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " ( المطففين 26 ) هذا النوع من التنافس الذي حث عليه الإسلام هو تنافس من نوع مختلف هدفه الحصول علي رضا الله وجنته والكل فيه رابح وليس فيه خاسر. ليتنا نستلهم روح ديننا وثقافتنا ونعلم أن الرزق مقدر وأن الحياة تتسع للجميع ، سوف تكون الحياة أجمل عندما يركز كل منا فيما يخصه فيسعى لإحراز التقدم في العمل والسعادة في الحياة ويعين غيره علي تحقيق ذلك دون إضاعة الوقت والجهد في النظر لما في يد غيره. سوف تكون الحياة أفضل عندما يكف البعض عن ملاحقة غيرهم لمعرفة ماذا حققوا أو محاولة عرقلة نجاحهم حتى لا يسبقوهم فإذا لم يتمكنوا شنوا عليهم الحملات المغرضة. سوف تكون الحياة أكثر أمناً عندما نتقبل الآخرين كما هم ونؤمن بحقهم في الحياة. [email protected]