فاحت رائحة الإهمال فى معهد الكبد بمستشفى قصر العينى، وتعالت صرخات الضحايا المكتومة داخل المعهد الذى ينطبق عليه قول المثل "الداخل مفقود والخارج على المشرحة" وليس مولود، حسب قول أحد المواطنين. "المصريون" رصدت فى جولتها داخل أروقة معهد الكبد بقصر العينى، كل أصناف البشر الذين يفترشون أرضية الطرقات وينتظرون الساعات الطوال للحصول على حصتهم من دواء يعينهم على الصمود أمام المرض الذى ينهش أكبادهم، ومن حولهم تتعالى فيهم صرخات موظفى المعهد وأطبائه وطاقم تمريضه، فى أقذع ألفاظ الإهانة والسباب ضد المرضى الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أصبحوا من ذوى الأكباد المنهوشة. أما غرف العناية المركزة فحدث ولا حرج، غرف غير مرتبة والأجهزة ملقاة على الأرض متناثرة فى جميع الأركان وعلى الأسرّة الخالية، كما تمتلئ الغرفة بالأدوية والمحاليل منتهية الصلاحية الملقاة فى كل مكان. الشىء الخطير فى الأمر، وفق المستندات التى بين أيدينا، هو أن تلك الغرف غير معقمة، وتمتلئ بالفيروسات المميتة، وبالفعل هناك حالات وفيات حدثت عقب دخولها العناية المركزة بعد تحسن حالتها الصحية. وقد حصلت "المصريون" على وثيقة من داخل المعهد عبارة عن خطاب من إدارة المعهد موجه إلى شركة "دريجر" للأجهزة الكهربائية تفيدها بأن أحد المرضى قد توفى إثر إصابته بفيروس VRE (Vacomycin Resistant Enterococci) نتيجة استخدامه جهاز التنفس الصناعى، والأكثر طرافة أن الإدارة تتساءل عن كيفية تعقيم ذلك الجهاز! وقد استطعنا الحصول على بيانات المريض المشار إليه فى الخطاب، وهو: حمدى حسن السيد، دخل المعهد لإجراء جراحة استئصال ورم بالقولون، ثم دخل العناية المركزة يوم 29/9/2011 فى حالة مستقرة، ثم تدهورت حالته بشكل مفاجئ ودخل فى غيبوبة وأجريت له (كلوستوما)، ثم أجريت له جراحة أخرى على سرير العناية، إلى أن فاضت روحه فى يوم 5/11/2011 . وعند سؤالنا عن ماهية هذه الجراحة قيل لنا: لا أحد يعلم شيئا عن هذه العملية سوى أن د.محمد إسماعيل ود.محمد مجاهد المسئولين عن العملية، ورئيسة التمريض سمر زكى ووحدة فؤاد، وغادة وصفى طبيبة التخدير المختصة للعمليات التى يجريها هذا الطبيب". وهناك حالة أخرى، وهى "عظيمة محمد حامد" التى أجرت عملية جراحية بمرارة داخل المعهد ثم دخلت غرفة الرعاية المركزة يوم 21/11/2011 وبدأت صحتها فى التحسن، ثم استغاثت من آلام فى المعدة ودخلت فى غيبوبة وظلت تنزف حتى توفيت يوم 29/11/2011. والطريف فى الأمر أن كل حالات الوفاة التى تحدث فى المستشفى يخرج تقرير سبب الوفاة "هبوط حاد فى الدورة الدموية". أما عن إهمال طاقم التمريض فحدث ولا حرج، فإحدى الحالات ظلت طوال الليل تعانى من ارتفاع شديد فى درجة الحرارة لكن الممرضة المسئولة اكتفت بتسجيل درجة حرارتها 37 درجة مئوية، ولم يكتشف هذا الأمر سوى الطبيب المعالج فى الصباح. وهناك جريمة أخرى قام بها بحسب شهادات موظفين بالمعهد- طلبوا عدم ذكر أسمائهم- "ي ..ش" حيث طلب من إحدى المريضات أن تشرب "صبغة يود" بحجة أنها تجعل الإشاعات أكثر وضوحا، ولكنها توفيت بعدها، وخرج تقرير الوفاة كالمعتاد "هبوط حاد فى الدورة الدموية". حاولنا الاقتراب أكثر من العاملين لعلنا نحصل على صور أقرب للمعهد لكننا وجدناهم خائفين يتلفتون حولهم، ويتكتمون على ما لديهم من معلومات حتى وإن كانت عن أبسط الأشياء، مؤكدين أن من يحاول الاعتراض على ما يحدث داخل أسوار المعهد يكون جزاؤه الاضطهاد من قبل الإدارة. تقول "ر.ص" إحدى الممرضات: لا أعرف طريقة تعقيم غرف العناية المركزة سوى مسح الأسرة والأجهزة بمادة "الكلور" ولا يتم تعقيمها أو رشها دوريا كما يجب! وإذا دخلت غرفة العناية المركزة فستجد آثار الصبغة على أرضيتها. وأضافت قائلة: لم أرَ فى حياتى عمليات جراحية بهذا الشكل الغريب مثل التى أراها فى هذا المعهد، فكل العمليات يتم عمل نفس "الفتحات" المبالغ فيها، والقليل منها ما ينجح. وحكت لنا "ب . خ" عن إحدى المريضات التى أجريت لها عملية لإزالة المرارة ثم عادت بعد فترة تتألم وبإجراء الإشاعات اللازمة تبين أنها لا زالت لديها "المرارة". وبخصوص تعامل الأطباء مع المرضى قالت إنه كثير ما يطلب الأطباء من أهل المرضى الفقراء الكثير من أكياس الدم التى لا يحتاج المريض منها سوى القليل ويحتفظون بالباقى فى الثلاجات حتى يفسد. وقد أخبرنا مصدر بوزارة الصحة رفض ذكر اسمه أن لجنة تفتيش من وزارة الصحة زارت المعهد وضبطت أكياسا من الدم الفاسدة إلا أنه لم يتم اتخاذ أى إجراء تجاه إدارته. وأكد "أ . م "، أحد الموظفين بالمعهد، أنه صدر قرار بإقالة مدير المعهد ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية د. وحيد دوس منذ فترة إلا أنه تم إلغاء هذا القرار، وهناك بعض التسريبات تتحدث عن وجود صلة قرابة بينه وبين وزير الصحة الجديد. هذا ما استطعنا الوصول إليه من بعض ما يحدث خلف أسوار هذا المعهد الضخم والذى سيجرى قريبا أولى جراحات زراعة الكبد فيه ونحن نتساءل كيف سيتم إجراء هذه العملية الضخمة فى معهد يمتلئ بهذا الكم الهائل من الإهمال، معهد يدخله المرضى للشفاء فإذا بهم يخرجون محمولين على الأعناق، ونطالب وزارة الصحة والجهات الرقابية بأن تتجه بأنظارها ناحية معهد الكبد الذى أصبح مقبرة للمرضى. السؤال ينتظر إجابة وزير الصحة والسكان الدكتور محمد مصطفي حامد، ورئيس الحكومة د. هشام قنديل.