دعاء مأثور يعرف المسلمون مناسبته ومكانه: "أعوذ بالله من الخُبْثِ والخبائث"، وأشهر تفسيراته: أنه استعاذةٌ من الشر والأشرار.. أما فى اللغة؛ فقد ذكر ابن الأعرابى أن الخُبْثَ عند العرب هو المكروه: فإن كان من الكلام فهو الشّتْم، وإن كان من المِلَلِ فهو الكُفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضّار".. ولو عاش ابن الأعرابى فى عصرنا هذا لأضاف: "وإن كان من السياسة فهو بعض هذا، مضافًا إليه الكذب والنفاق والغشُّ والتضليل وعفن الضمائر".. خُدعت مع كثيرين بتسجيل فيديو لصحفيّة مصرية، اسمها منى الطحاوى، ألقت الشرطة الأمريكية القبض عليها فى نفق بمترو نيويورك.. ووضعت القيد الحديدى فى يدها وهى تحاول طمس مُلْصقٍ دعائى مكتوب عليه: "فى كل حرب بين الإنسان المتحضر والهمجىّ، ساندوا المتحضر.. ادعموا إسرائيل وقاتلوا الجهاد".. جرأة المرأة فى المواجهة وإصرارها، جعلنى أتعاطف معها.. ولكن شيئًا من الشك وقع فى صدرى، فقد كان هناك امرأة أخرى تحول بينها وبين الملصق لتمنعها من طمسه، مال عليها رجل الشرطة فى نهاية المشهد، وأسرَّ لها بكلمات فانصرفت.. تركها ولم يأخذها للتحقيق، مع أنها كانت طرفًا فى الواقعة.. عرفت فيما بعد أنها ناشطة صهيونية اسمها "باميلا جيلار".. هى صاحبة فكرة الملصق.. وهى التى تقف وراء حملة أوسع للدعاية الصهيونية.. اطّلعت على الموقع الإلكترونى لكلٍّ من المرأتين، وقرأت الكثير.. وانتهيت بأن المشهد كان تمثيلية محبوكة لتحقيق هدف مزدوج: أولاً- لفت النظر إلى الملصق وإثارة فضول الناس إلى وجوده ومحتواه.. وثانيًا- إثارة ضجة حول جرأة الصحفية المصرية.. وكسب مزيد من التعاطف نحوها تمهيدًا [لدور وشيك ستقوم به فى مصر!].. ففى ثنايا حوارات مُنى مع أصدقائها تجد إشارات بالاستعداد للانقضاض على الدستور المصرى.. مع تهديد بأن تكون هذه أشرس الهجمات التى ستسقطه بالضربة القاضية.. ومبرراتها أنه سيكون دستورًا [إخوانيًّا] لإقامة دولة دينية استبدادية.. تُنتهك فيها حقوق المرأة وحقوق الأقليات، ويتم القضاء على حرية الفكر وحرية التعبير.. أليس هذا هو نفس الكلام الذى يدور على ألسنة الذين يرتّبون لغزوة ضارية فى مصر على تأسيسية الدستور لتقويضها.. وبذلك تكون الثورة المضادة قد نجحت فى: نسف مجلس الشعب المنتخب، ونسف الدستور، ويبقى منصب رئيس الجمهورية كهدف أخير، لتصفية الثورة والبدء مرة أخرى من نقطة الصفر.. وأحاول تلخيص الموقف فى النقاط التالية: أولاً- عمرو حمزاوى: أصدر بيانًا دعا فيه الأحزاب والتيارات السياسية والمنظمات المدنية للسعى لدى الدوائر الدولية لحثّها على [التدخّل فى وضع الدستور المصرى] ويحرّضها على تهديد بلاده بالعقوبات السياسية والاقتصادية.. وهكذا لا يجد الرجل غضاضة فى استعداء قوى أجنبية على بلاده للتدخل فى قضية مصرية داخلية.. يعميه عن هذه الحقيقة رغبة عارمة لإفشال مهمة الحكومة فى سعيها لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التى تأخذ بخناق الشعب.. ثم يدّعى بعد كل هذا أنه رجل الثورة وأنه يعمل من أجل المصلحة الوطنية!.. أنا لست مندهشًا من موقف عمرو حمزاوى!.. ولكن صديقه الناشط الثورى وائل غنيم، هو الذى يرد عليه مندهشًا فيقول: "لم أصدق ما قرأته لك من استقواء بغير المصريين فى شأن شديد المصرية.. دستورنا سنبذل فى سبيل أن يكون دستورًا لكل المصريين كل جهدنا وطاقتنا، ولن نسمح إلا أن يكون مُعَبِّرًا عن روح الثورة.. ولكننا [فى هذا] لن نتحدث إلا مع المصريين". ثانيًا- أبو العز الحريرى وجبهته الشعبية: يقيمون [مأتمًا عامًّا] باسم: مؤتمر"مخاطر سيطرة الإخوان على مصر"، شن فيه الحريرى هجومًا على الرئيس محمد مرسى.. وأعلن أنه سيرفع قضية عليه لإبطال رئاسته، معتبرًا نفسه بطل ملحمة حلّ مجلس الشعب.. وأنه سيسعى لإبطال مجلس الشورى.. وبالتالى تكون الجمعية التأسيسية باطلة.. وكل قرارات مرسى باطلة.. والسبب العبقرى -عنده- أن مرسى (قام بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى!).. لا أعرف إن كان الحريرى قد سمع بأن ملايين المصريين صفّقوا ترحيبًا بهذا القرار.. ويبدو أنه لا يستطيع أن يتصور مصر بدون سيطرة العسكر على الحكم؛ فهو يعادى الديمقراطية ويعادى الشعب الأبلهْ، الذى أعطى لمرسى أصواته وحجبها عنه؛ إنه يؤمن فقط بأحقيته المقدسة فى الوصول إلى السلطة، حتى لو جاء هذا عن طريق الغوغائية وترويج الأكاذيب وتشويه الخصوم الشرفاء الذين حظوْا بثقة الملايين.. تسمع فى هذا المؤتمر أكاذيب وخرافات من قُرَناءٍ له آخرين مثل: منسّق حركة كفاية، ورئيس تحرير جريدة "الدستور وغيرهما.. يلفّقون التهم للرئيس محمد مرسى ولجماعته.. ويروجونها بلا خجل ولا ضمير؛ يطالب أحدهم بإحالة الرئيس مرسى وجماعته للتحقيق.. لماذا؟، لأن أوباما صرّح بأن الإخوان حصلوا على دعم فى الانتخابات بمليار ونصف [دولار].. إشاعة نفْاها الإخوان.. ولكنه لا يصدّقهم!.. ثم يضيف أنهم يريدون تكميم أفواه الصحفيين".. فهل يمكن أن يصدر هذا الهراء من رجل عاقل؟!، صدّق أوباما أو لا تصدّقه فهذه مشكلتك الخاصة.. ولكنك لا تملك دليلاً واحدًا على مزاعمك.. أما مسألة الحريات الصحفية فموقف رئيس الجمهورية واضحٌ تصريحًا وتطبيقًا!.. وإذا لم تكُن تجيد القراءة.. فاطلب المعلومات الصحيحة من صديق تثق فيه ليقرأ لك!. ثالثًا- هناك شخصيات أخرى كثيرة من الحاقدين، الذين لا يريدون خيرًا لمصر، ولا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية.. من هؤلاء: محامى لا أعرف عنه أكثر من أنه كان من أكثر أنصار أحمد شفيق حماسًا فى انتخابات الرئاسة، وأنه واسع الانتشار فى الفضائيات المصرية.. ولديه مهارات مكيافيلية للوصول إلى أهدافه.. يصفونه فى الفضائيات بالفقيه الدستورى والمفكر السياسى.. "رجائى عطية".. يقول: إن الدستور الذى يُجهّز حاليًا سيُعَدُّ الأسوأ فى تاريخ مصر.. "والسبب عنده أن الجمعية التى تقوم بإعداده أكثر من 70% من أعضائها من حزب واحد [يقصد حزب الحرية والعدالة]"، وهذه إحدى الأكاذيب التى لا يخجل من ترديدها؛ فالرقم الصحيح هو 16% وليس 70% كما يزعم.. ولكن الرجل له موقف ثابت ضد الجمعية التأسيسية وضد الدستور وضد الإخوان وضد الرئيس المنتخب.. وتصريحاته واضحة فى هذا المجال: فقد كان يحلم بفوز أحمد شفيق، ولا يطيق أن يسمع أو يعترف بفوز محمد مرسى رئيسًا لمصر.. وظل يردد فى الفضائيات أن لديه معلومات شبه مؤكدة:"أنه تم ضبط حالات تزوير لصالح مرسى".. على خلاف ما كان يتوجّس منه الشعب؛ أن يتم التزوير لصالح مرشح الفلول.. وباتت الملايين ساهرة فى ميدان التحرير تترقّب، حتى أُعلنت النتيجة بفوز محمد مرسى.. والعالم كله شاهَدَ الشعب وهو يستقبل هذا الخبر بفرحة عارمة.. ولكن يبلغ العمى الاختيارى عند بعض الناس أنهم يرون عكس كل ما يراه العالم؛ إذ يقول رجائى: "إن الجموع المحتشدة بميدان التحرير –بالتأكيد- لا تمثل الشعب المصرى!".. فأى شعب آخر تمثّل يا سيد رجائى؟!.. جمهورية الموز.. أو بُرْكينا فاسو مثلاً؟!. رابعًا- حمدين صباحى والبرادعى، ولفيف من السياسيين الفاشلين، من أصحاب الوجوه الممسوحة، يتنادوْن للتجمّع والاصطفاف معًا لضرب التأسيسية، وقد أوشكت على إنهاء مهمتها فى صياغة الدستور.. وذلك بتحريض سافر لأعضاء اللجنة على الانسحاب منها.. بُغْيَةّ إفشالها.. ومن قبل هذا كان لهم دور مخزٍ فى محاولةٍ [لتطفيش] المستثمرين الأجانب وتخويفهم من سوء الأوضاع الأمنية فى مصر.. فهل هناك دليل أكبر من هذا على رغبتهم فى استمرار حالة العجز الاقتصادى للدولة؟؛ إذ كيف تستطيع حكومة خزائنها مفلسة أن تحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية التى يتمحكون بها، بينما هم أكبر معوّق فى طريق تحقيقها؟!. ومن أدراكم أن الدستور الجديد كما تزعمون: "لن يضمن الحريات الأساسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى العمل الشريف والعلاج وتكافؤ الفرص؟!".. إنكم تجرجرون الشعب إلى الوراء بالتشكيك فى الدستور، وبالحديث عن إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية، بعد أن تجاوزنا هذه المرحلة التعيسة، وحظى الوضع القائم بتوافق المجتمع ورضاه، ونجحت التأسيسية فى إنجاز مهمتها.. وهذا هو ما تكرهون.. لأنكم تعتقدون أن أى نجاح يُنسب للرئيس محمد مرسى وحكومته يخصم من حسابكم لدى الشعب.. هى إذن عملية استعباط واستخفاف.. وأنانية لن يغفرها الشعب لكم.. فالشعب لم يتدنَّ إلى هذا الحدّ من التفاهة والسفاهة والعمى الذى تظنّون به.. وسوف يعلن حكمه عليكم فى الانتخابات القادمة كما رفضكم وحجب ثقته عنكم فى الانتخابات السابقة.. إنكم تتجاهلون حقيقة بسيطة وجوهرية؛ وهى أن الدستور فى النهاية سوف يُعرض على الشعب فى استفتاء عام ليقبله أو يرفضه.. ولن يقبل الشعب دستورًا لا يحقق له شروط الحياة الحرة الكريمة العادلة.. ليس العيب ولا الخطأ يا سادة فى اللجنة ولا فى الدستور.. ولكنه فى رؤوسكم أنتم.. وفى مواقفكم التى لا يبررها إلا الأنانية والمصالح الذاتية.. وهى من الخبث الذى يستوجب الاستعاذة منه.. فنعوذ بالله من الخبث والخبائث. [email protected]