تولى البابا شنودة رئاسة الكنيسة الأرثوذكسية مع بدايات عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، و اختير عن طريق القرعة ، مدعوما من الأجهزة الأمنية التي رشحته للقيادة السياسية ، و رأت فيه شخصية "متعاونة" و متفهمة ، غير أن الرجل انقلب على السادات من جهة و قاد انقلابا كبيرا داخل الكنيسة و على ثوابتها بشأن التعاطي مع "الملف السياسي" من جهة أخرى ، و ذلك عقب النص في الدستور على أن مصر دولة مسلمة و أن الإسلام المصدر الأساسي للتشريع. كانت "الإضافة الدستورية" رد فعل استباقي من السادات على طلب البابا شنودة تأسيس جامعة قبطية على غرار جامعة الأزهر ، خاصة و أن الطلب لم يتقدم به البابا مباشرة إلى الرئيس السادات وإنما عبر وساطة أمريكية تصدى لها الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت بنفسه ، ما اعتبر في حينه فاتحة خطيرة ، تمهد لمرحلة استقواء الكنيسة بالخارج من أجل ابتزاز الداخل و حمله على النزول عند رغباتها . في عهد البابا شنودة تراجع الخطاب العقلاني الكنسي و بدت النزعة الطائفية للكنيسة المصرية هي الأكثر حضورا و الأعلى صوتا في طريقة إدارتها لخلافاتها مع النظام السياسي ، و تطورت بمضي الوقت إلى أن تبنت أجندة استهدفت تأصيل التمايز الطائفي و التقوقع و الالتفاف قدر الإمكان حول الكنيسة باعتبارها الممثل الشرعي للأقباط و ليس الدولة و هي قصة مثيرة نتناولها تفصيلا في حلقات لاحقة إن شاء الله . ما نريد قوله و باختصار إن تاريح الكنيسة الطائفي ، كمؤسسة موازية للدولة من جهة .. و في علاقة صراع و"خصومة" معها من جهة أخرى يبدا فعليا بوصول البابا شنودة إلى رأس الكنيسة المصرية ، و قولي هذا ليس من قبيل الزعم أو الادعاء أو التكهنات أو محض كلام مرسل ، و إنما هو حكم قضائي ، و الأحكام القضائية كما نعلم هي عنوان الحقيقة . و لنتأمل هذا النص الحرفي من حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 3 يناير 1982، في التظلم المقدم من البابا شنودة ضد قرار رئيس الجمهورية بعزله من منصبه تقول الحيثيات حرفيا :" إن البابا شنودة خيب الأمال ، و تنكب الطريق المستقيم الذي تمليه عليه قوانين البلاد ، و اتخذ من الدين ستارا يخفي أطماعا سياسية ، كل أقباط مصر براء منها و إذا به يجاهر بتلك الأطماع واضعا بديلا لها على حد تعبيره بحرا من الدماء تغرق فيه البلاد من أقصاها إلى أقصاها ، باذلا قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة ،و على غير هدى ، و في كل أرجاء البلاد ، و غير عابئ بوطن يأويه ، و دولة تحميه و بذلك يكون قد خرج عن ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر " أنتهى ليس هذا و حسب و لكن هناك المزيد من التقارير الرسمية الممهورة بخاتم الدولة التي تعزز ما قيل فيما تقدم ، و لنتأمل هذا النص المنقول حرفيا من تقرير تقصي الحقائق في مجلس الشعب المصري سنة 1981 .. و المكونة من محمد رشوان (وكيل المجلس) و خافظ بدوي ، و محمد محجوب ، و كمال هنري أبادير ، و كامل ليلة ، و ألبرت برسوم سلامة ، و مختار هاني ، و كمال الشاذلي ، و إبراهيم شكري ، و إبراهيم عوارة .. يقول التقرير بالنص " لقد صور الطموح السياسي للقيادة الكنسية أن تقيم من نفسها دولة داخل الدولة ) انتهى. و من ثم .. فإذا كنا جادين في إغلاق الملف الطائفي و تسويته في مصر ، فلابد أن نتكلم بصراحة ، و نطالب بفتح ملف الكنيسة و مناقشة التحولات الخطيرة التي جرت داخلها منذ أن تولى البابا شنودة قيادتها بصراحة و بوضوح و بلا مجاملة و ذلك دفاعا عن عامة الأقباط الذين باتوا موضوعا للمتاجرة بهم من قبل الجيل الذي تربى على يد البابا شنودة من القساوسة ، ثم درءا للفتنة من خلال اضاءة المساحات المظلمة في تاريح الكنيسة الحالية و مساعدة الأقباط في ضبط المشاغبين و المنحرفين و التبرؤ منهم و طردهم ، و مساندة قوى الإصلاح و التنوير داخل الكنيسة ، من الذين اضطهدوا و همشوا من قبل الظلاميين الذين أعادوا الكنيسة إلى ممارسات قرون الظلام و التخلف . و هو الملف الذي سأتناول طرفا منه في الأعداد القادمة تباعا مدعوما بالوثائق و المستندات المثيرة . [email protected]