أبدى الدكتور محمد مرسى انزعاجه من تلك المعلومات وأكد أنه سيحقق فيها، غير أن شيئا بعدها لم يتغير أبدا، نفس الممارسات ونفس الروح، وكنا نمضى غير عابئين بتلك المواقف، فدافعنا عن الإخوان كثيرا بعد ذلك عندما وجدنا المصلحة الوطنية تقتضى ذلك وانتقدناهم بقوة أيضا عندما كانت قناعتنا أن المصلحة الوطنية فى ذلك، وفعلنا ذلك مع غيرهم أيضا، لأن قناعتنا كانت دائما أن الرسالة التى نحملها للناس والوطن أكبر من أن تجعلنا نتوقف عند مثل هذه الأمور، كما أن خبرة الحياة وخبرة التجربة الصحفية منحتنا المران الكافى وألزمتنا أن نفصل تماما بين ما هو شخصى وما هو عام، لأن من الخطورة بمكان أن تتحرك الصحيفة أو الكاتب وفق نوازعه الشخصية حبا أو كرها، ولو ظلوا يشتموننا أو يشنعون علينا عشر سنوات أخرى فلن يغير ذلك شيئا من مواقفنا سواء فى دعمهم إن كانوا فى محنة، أو نقدهم إن مثلوا خطرا على المصلحة الوطنية، ولقد كانوا يشتموننا ويشنعون علينا فى نفس الوقت الذى يحرصون فيه على أن يرسلوا لنا مقالات أسبوعية منتظمة لكوادرهم مثل عصام العريان ومحمد جمال حشمت وجابر قميحة وحمزة زوبع وغيرهم، وننشرها بكل رحابة صدر، ثم بعد أن ذهب "الخوف" أداروا ظهورهم ل"المصريون" وانتقلوا إلى صحف أخرى كانت تلقى كتاباتهم فى سلة المهملات، غير أنى ذكرت الواقعة السابقة للحوار مع الدكتور محمد مرسى والتى أحكيها للمرة الأولى لكى أنبه إلى أمرين خطيرين بالفعل، الأول هو أن كوادر جماعة الإخوان تتعامل بعنف منهجى مخيف مع المخالف لهم ويزداد هذا العنف توترا إذا كان من داخل التيار الإسلامى، ولن يغفر لك معهم أن تكون قد وقفت بنبل معهم فى محنة أو أن يكون نقدك لهم وجهة نظر فى المصالح الوطنية أو الإسلامية، والعنف فى الخلاف تزداد خطورته عندما يتقاطع فى وعيهم الانتماء للإسلام بالانتماء للجماعة، فيصبح نقدك الصارم والجاد للجماعة عدوانا على الإسلام والدعوة الإسلامية وحربا لله ورسوله وهدما للمشروع الإسلامى، وتصبح مواجهة جماعة الإخوان سياسيا مثلا هى مواجهة ومؤامرة على الإسلام نفسه، وتبدأ الاتهامات والإدانات من أول أنك حاقد ومريض القلب وفاسد النية وعميل للشرق أو الغرب، وانتهاء إلى أن تكون عدوا للإسلام والدعوة الإسلامية وعدوا لله والوطن، ويتخلل ذلك نشر حملات من الأكاذيب والتشويه للآخرين والطعن فى الأعراض، أخطر ما فيها أنهم يفعلونها وهم يتصورون أنها "قربى" إلى الله، فالشاب المتحمس من هؤلاء يتقرب إلى الله بالكذب عليك واتهامك بما ليس فيك إذا كان هذا يراه نصرا للجماعة ودفاعا عن مصالحها، والخطورة الأكبر تأتى قطعا عندما تتحول الجماعة من تنظيم معارض مطارد إلى سلطة تملك القرار السياسى والأمنى والاقتصادى، فالذى كان يتهمك بالأمس أنك عميل للمخابرات الإسرائيلية مثلا، اليوم وهو فى السلطة سيحول هذا الكلام من مجرد شتائم وتشويه إلى "ملف" اتهام قد ينتهى بك إلى حبل المشنقة أو ظلام الزنازين، ولعل هذا العنف الشديد الذى يبدو من سلوك الجماعة وأعضائها هو الذى يخيف كثيرين فى مصر من مستقبل الحريات إذا استولى أصحاب تلك الروح والعقليات والعصبية التنظيمية المتطرفة على السلطة كاملة ومنفردين، لقد كانت مصيبتنا أيام مبارك أنه يتعامل معنا كمعارضين بوصفنا أعداء الوطن، لكن الوضع الآن أننا سنكون أعداء الله والوطن معا، وهؤلاء النشطاء من كوادر الإخوان الذين سيتم توزيعهم بعد ذلك وهم بتلك النفسية والعقلية على أركان السلطة وأدواتها سيتقربون إلى الله بتصفية خلافاتهم معك بأدوات الدولة وقمعها، بوصفك عائقا أمام الدعوة ومثبطا لانطلاق المشروع الإسلامى "الإخواني" بل وعدوا للإسلام والمصالح الإسلامية التى تتماهى مع مصالح الإخوان بلا انفصال، الجانب الآخر من الخطورة التى كشفتها لى تلك المقابلة، أن قيادات الجماعة أحيانا لا تدرك وربما لا تريد أن تعترف، أن مستويات العنف والإرهاب الفكرى والسياسى والدينى التى يمارسها كوادر الجماعة مع المخالفين هى نتيجة طبيعية لمناهج فى التربية والتكوين للرؤية والتأسيس الفكرى والمعرفى والدينى تحتاج إلى مراجعة وتصحيح ونقد، لا يمكن أن تربى إنسانا وتنشئه على قيم التسامح ثم هو يمارس عمليا كل ما هو نقيض للتسامح، لا يمكن أن تربى إنسانا على احترام الحق فى الاختلاف وتقبل النقد والتعددية السياسية والفكرية ثم يكون بهذا الضيق الشديد والعدوانية تجاه أى خلاف أو نقد أو رؤية سياسية مغايرة أو أن يحدد لك النقد الذى يقبله ويعتبره بناءً والنقد الذى يرفضه ويعتبره نقدا هادما، وهى نفس طريقة النظم المستبدة السابقة فى تعليقها على أى معارضة قوية وجادة، تبحث عن معارضة على مقاسها ومعاييرها هى، لا بد من الاعتراف بأن ثمة خطأ فى منهج التكوين يحتاج إلى إعادة نظر، ولا بد من بدء مشروع سياسى شامل وعاجل لإعادة تكوين كوادر الجماعة بآفاق أكثر رحابة وفهما لمقتضيات الديمقراطية، والمؤكد أن المران السياسى سيهذب كثيرا من تلك النزعات المتطرفة والمتشنجة، ولكن هذا يحتاج لبعض الوقت، ومن هنا كانت قناعتنا بأن مرحلة "الحكم" المقبلة تحتاج إلى شراكة سياسية فى "السلطة" بين أطياف وطنية متعددة، يتدرب فيها الجميع على "التعايش" السياسى وتترسخ القيم الحامية والضامنة للديمقراطية، ويقبل فيها أبناء الجماعة أن يكونوا "شركاء" فى السلطة، أو أن يكونوا على كرسى السلطة اليوم، ويغادرونه غدا، ثم يستعدون للعودة إليه بعد غد، وهكذا، الجماعة وبقية القوى السياسية فى مصر تحتاج بعد الثورة إلى فترة مران وتجريب لا تنفرد فيها بالقرار والسلطة لكى تتقلص عواقب الأخطاء وتقل نزعات المغامرة والتهور، فكلهم معارضون لم يمارسوا السلطة من قبل، وكلهم الآن سيجربون فينا نحن، وقناعتنا الكاملة التى ندين لله بها ونخلص النصيحة للوطن فيها أن انفراد الجماعة بحكم مصر الآن وأدوات السلطة وأجهزتها، مع تلك العقليات المنغلقة سياسيا وثقافيا، وذلك التكوين المنهجى الإقصائى العنيف دينيا ووطنيا، هو خطير جدا على التجربة الديمقراطية وعلى الحريات العامة، وعلى صورة تجربة التيار الإسلامى ذاتها داخل المسار الديمقراطى، وخطير جدا على الوطن ومصالحه، أكرر: خطير جدا ذلك الأمر، أقول هذا حسبة لله ثم للوطن. [email protected]