قام البعض مؤخراً بتكوين تحالفات بين الأحزاب الكرتونية التى هى أصلاً ليست بأحزاب وإنما مجرد حركات سياسية وشلل مصالح خاصة أو تجمعات حول شخص مصاب بمرض "البارانويا" أى تسلط الأفكار الوهمية الخاطئة عليه وهى هنا "جنون العظمة" وحب الزعامة والشهرة، وهذا المرض متفشٍ فى تاريخنا, فالعربى لا يعترف بالرئاسة إلا لنفسه وهذا مرض لدينا فى العقل الجمعى, والعرب لم يعترفوا بالرئاسة إلا للنبى عليه الصلاة والسلام، ولذلك عندما توفى هبوا ضد أبى بكر الصديق فى حروب الردة واستمر المسلسل بعد ذلك، وأول سبب لفشل هذه التحالفات الحزبية هو هذا الصراع على الزعامة, كما أن هذه الأحزاب لا تقدم حلولا لمشاكل مصر وإنما تضع مشاكل أمام كل حل يقدمه الدكتور مرسى والإسلاميون, ولا هدف لتحالف هذه الأحزاب سوى الهجوم على الإخوان والإسلام مثلما كان هدف تحالف الأحزاب فى غزوة الخندق هو الهجوم على الإسلام ففشلوا، وقد كانوا مجرد قبائل متشرذمة جمعها "أبو سفيان" زعيما لهم من أجل نفوذه وتجارته وسطوته آنذاك، والآن لا عمل لهذه الأحزاب سوى الشتيمة للإخوان والإسلاميين ونشر الأكاذيب عنهم فى قنواتهم الفضائية وصحفهم المأجورة الكارهة للإسلام كى يجعلوا الناس يكرهون دينهم، وهذا من أهم أسباب سقوط هذه التحالفات الحزبية لأنه ليس لها جماهيرية وليس لها تأثير شعبى فى الشارع المصرى، فهى أحزاب فاشلة أصلاً ولذلك فإن تحالفاتها ستفشل لأنه من المعروف فى علوم الرياضيات أن حاصل جمع الكميات السالبة يكون دائماً سالباً. وإذا قمنا بتحليل هذه التحالفات نجدها كوميديا سوداء عبثية كأنها مسرح اللامعقول لعدم منطقيتها بتناقضها فى الرؤية السياسية ما بين ليبراليين وناصريين قوميين وماركسيين، فهى مثل لبن سمك تمر هندى، فكيف تقدم لنا برنامجا إصلاحيا واحدا، وعموما فالذى يجمعها هو العلمانية بمعاداتها للدين وفصله عن السياسة وعن الحياة، حتى إذا ما حكمونا ثم سرقونا ونهبونا لا يقول لهم أحد هذا حلال أو حرام، ونجد مثلاً من بينها عدة أحزاب أو شلل شيوعية، وإن أخفت اسمها الحقيقى لتضليل الجماهير وذلك بالتستر خلف أسماء مثل التجمع والديمقراطى والاشتراكى والثورى، والمصيبة أن هؤلاء الشيوعيين الآن قد تأمركوا وأصبحوا يدافعون عن الديمقراطية الغربية التى كان يلعنها زعيمهم كارل ماركس مثلما لعن الدين، قائلاً إنه أفيون الشعوب فى كتابه "البيان الشيوعى" وهو القائل إنه يشعر بالاشمئزاز كلما ذكر اسم (لفظ الجلالة) أستغفر الله العظيم، وإن الحزب الشيوعى فى مصر قد أسسه اليهودى "هنرى كوريل"، ولذلك كان الحزب الشيوعى المصرى والاتحاد السوفيتى هم أول من اعترفوا بدولة إسرائيل عام 1949، والآن يحرضنا الشيوعيون على إسرائيل وكامب ديفيد ويدعون الوطنية، مع أن الماركسية ترفض الوطنية وتسخر منها وتصفها باسم "الشوفونية"، لأن الولاء عندهم للشيوعية، وليس الولاء للوطن، والحزب الشيوعى فى إسرائيل أقرب إليهم منا. أما التيار الشعبى الذى قاموا بتدشينه فى ميدان عابدين منذ أيام، فإن حمدين الصباحى يريد تكرار عهد عبد الناصر الذى دفن الديمقراطية وحارب الإسلام بسجن الإخوان المسلمين وبإلغاء الكتاتيب ليمنع تحفيظ القرآن للصغار وبالقضاء على كلية دار العلوم حين ألحقها بالجامعة وبالقضاء على الأزهر باسم تطويره، وقام عبد الناصر بحل الأحزاب وانتهى عهده بالنكسة، فهل يريد حمدين الصباحى المزيد من الديكتاتورية والمزيد من النكسات حين يغرر بالشباب الصغار بتصويره لعبد الناصر على أنه بطل أسطورى مع أنه سقط وسقطت دموعه على خديه فى خطاب التنحى يوم النكسة، والحمد لله أننا لم نفقد الذاكرة فالشعوب التى تفقد ذاكرتها تكرر أخطاءها ولا تتقدم أبداً. أما تحالف المؤتمر المصرى بزعامة عمرو موسى والفلول فإن عددهم لا يتجاوز المائة ألف ولم يحصلوا جميعهم فى الانتخابات الأخيرة سوى على 17 مقعداً، أى ثلاثة بالمائة من عدد مقاعد مجلس الشعب، والمضحك أن أيمن نور تنازل عن الزعامة يائساً من نفسه وحزبه فأسدل الستار على نفسه كالبطل فى الميلودراما حين ييأس فينتحر، وهذا الانتحار السياسى هو مصير البرادعى والهارب أحمد شفيق الذى يريد إعادة الحزب الوطنى.. كلمة أخيرة إنهم يقولون إنهم "التيار الشعبى".. أليس الإخوان والتيار الإسلامى تياراً شعبياً بدليل تأييد الشعب لهم فى الانتخابات الأخيرة؟ وهم يقولون إنهم "التيار المدنى".. أليس الإخوان والتيار الإسلامى تياراً مدنياً؟ إن كلمة مدنية يا سادة هى عكس كلمة عسكرية وليس عكس كلمة دينية، وافتحوا القواميس إن شئتم، وليس فى الإسلام دولة دينية "ثيولوجية" بالمفهوم الأوروبى فى العصور الوسطى وإنما دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية. إن أصحاب هذه التحالفات (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) سورة التوبة – 32.