كمال حبيب يبحث الإنسان المعاصر عن ألوان من الجدة في حياته يتغير معها التكرار الذي يورث الحياة بعض الكآبة والتوتر ، لم يعد الإنسان المعاصر علي شاكلة الإنسان منذ ثلاثين عاماً ، فهو أكثر قلقاً وتوتراً وطموحاً ورغبة عارمة في التزود بأسباب الحياة المرفهة التي يقوم علي أمر الترويج لها وتسويقها شركات كبري متعددة الجنسيات تكسب بالمليارات ، فأحد أوجه الأزمات التي يواجهها الإنسان المعاصر أنه لم يعد هو وحده صاحب القرار في تسيير حياته واختيار شكلها ، لم تعد قرارت الإنسان المعاصر مستقلة حتي في حياته الخاصة . كما أن تلاوين الحياة وبهرجها زاد بدرجة جعل منها تعبيراً عن طغيان لا يمكن مقاومته ، ومن ثم الاستسلام له ، وكما قال الله تعالي " حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها ، أتاها أمرنا ليلاً أونهاراً " فزخرف الحياة وزينتها أصبح يعبر عن سلطة لا يمكن للانسان الفرد أن يقاومها ، لذا ظهرت كما أوضحت من قبل " حركات اجتماعية غربية " تتحدث عن حق الإنسان المعاصر المسكين في أن يختار نمط حياته اليومي بالطريقة التي يريدها ، تخيل حركات اجتماعية لمقاومة هيمنة الشركات الكبري متعددة الجنسيات والتي هي تعبير عن تحالف رأس المال مع العقول الكبيرة للسيطرة علي الإنسان والعالم نفسه . ولذا تستغرب جدا أنت أيها القارئ من أن الإنسان المعاصر في الغرب وأمريكا يناضل من أجل حرية اختياراته المتصلة بحياته اليومية . ولذا الإنسان وحريته موضع اهتمام واحترام كبير في الإسلام ، لكن الحرية تكون بقدر الاستعلاء والانفكاك من شبكات السيطرة التي تزين وتسوق وتعلن عن الحاجات التي ربما تكون في غناء عنها ، كلما تتحرر من قيود الدنيا وتزهد فيها كلما تكون أملك لإرادتك ولقراراتك ولاختياراتك . من هنا كان الإسلام حريصا ً علي تعزيز استعلاء الإنسان عن الدنيا ، بحيث تكون في يده ولا تكون في قلبه . إنه لا يحتقرها أو ينعزل عن المشاركة فيها أو ينظر لما يعمرها باستهتار واستهانة أو لايريد تحصيل أسباب الرفاهية والتقدم والنهوض لبني قومه ، ولكنه يفعل ذلك كله وهو يدرك أن الدنيا مزرعة للآخرة ، وأنها مجال فعله وعمله المفتوح أمامه وبعدها سيكون مجال الحساب والسؤال والعتاب والندم والحسرة " قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ، كلا " ، وهذا يحتاج إلي عون ومساندة لكي لا يسقط الإنسان المسلم في حمأة المغريات الدنيوية التي تجعله من الخوالف القاعدون عن المشاركة والفعل من أجل الحرية " حرية الإنسان وحرية عالمه الخاص " ، وبكلمة واحدة الحفاظ علي فطرته التي خلقه الله عليها " فطرة الله التي فطر الناس عليها " . وأحد أهم تلك المعينات الصيام في شهر كامل سماه الله " أياماً معدودات " يبدو المسلمون فيها وكأنهم يستعيدون حريتهم وفطرتهم بارتفاعهم عن الاستجابة للرغبات الدنيا والاستعلاء بها للاستجابة لداعي الروح والضمير والقيم العليا . الصيام يجدد حياة المسلم بتعيين مسار جديد له يختلف عن المسار الذي يسلكه كل يوم ، وأظن أن مسار رمضان يكون المحدد له هو الله سبحانه وتعالي ، بينما مسار الحياة اليومية طوال العام غالباً مايتقرر وفق المنازعات والمصالح والأهواء وياسعادة من جعل مسار رمضان هو مسار العام كله . نري السياحة الدينية عند المسلمين المتدينين وكثير من الناس يذهب للعمرة ، وجزء من رغبته وأشواقه متصل بالتجديد ، تجديد الإيمان وتجديد الحياة وتجديد الروح ، وتجديد الأمل في الغد والمستقبل ، ورمضان شهر الصوم هو تعبير عن حياة كاملة خاصة تجدد للمسلم حياته وتجدد وعيه وتجدد آماله في المغفرة والتوبة وتجدد تصالحه مع ذاته وخالقه وفطرته والعالم من حوله . انظر بنفسك أنت لحالك وللناس من حولك سوف تجد تحولا وتجددا في سلوك الناس وحياتهم ، وكم من عاص بدأ أمر هدايته مع الشهر الكريم ، وكم من مذنب تاب مع الشهر الفضيل وكم من هاجر للقرآن عاد إليه مع شهر الصيام ، الصيام تجديد للإيمان والوعي والحياة . [email protected]