يعتبره كثير من المسلمين آخر خليفة فعلى للمسلمين، لما كان له من علو الهمة للقضايا الإسلامية، وما قام به من مشروع سكة حديد الحجاز التى كانت تربط المدينةالمنورةبدمشق، وكان ينوى أن يمد هذا الخط الحديدى إلى كل من اسطنبول وبغداد. عبد الحميد بن عبد المجيد الأول هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم، وقد ولد فى 21 سبتمبر 1842م، وتولى الحكم عام 1876م، وأبعد عن العرش عام 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته فى 10 فبراير 1918م. تلقى السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد تعليمه بالقصر السلطانى ودرس من اللغات: العربية والفارسية والفرنسية بالإضافة إلى التركية، درس التاريخ والأدب، وأولى اهتمامًا بالشعر. كان عبد المجيد أول خليفة عثمانى يرعى مسيرة "التغريب" فى الدولة العثمانية, حيث استحدث )رئاسة مجلس الوزراء), الذى أصبح يتولى مقاليد السلطة, ويقاسم السلطان نفوذه, فى حكم الدولة، بينما أصبحت "مشيخة الإسلام" مجرد هيئة شورية. وكان رشيد باشا -وزير السلطان عبد المجيد (والد عبد الحميد)- يتمتع بنفوذ الحاكم الحقيقى للبلاد, وبدافع اعتناقه الماسونية، وكان شديد الإعجاب بكل ما هو غربى, ولهذا فأنه لم يدخر وسعًا فى إعداد الجيل التالى من الوزراء ورجال الدولة, وأن يفسح لهم مجال السلطة والنفوذ. وحينما توفى والده عبد المجيد خلفه عمه عبد العزيز, الذى تابع نهجه فى مسيرة التغريب، تحت شعارات الإصلاح والتحديث, ولكنه رغم ذلك لم ينج من مؤامرات القصر, ومعظمهم من جماعة "تركيا الفتاة"، التى بدأت فى التشكيل منذ عام 1860 م, فتم عزله وتدبير مقتله بعد أربعة أيام, ليتولى الخلافة السلطان مراد الخامس، شقيق عبد الحميد وكان فى السادسة والثلاثين من عمره, وعلى صداقة حميمة بولى عهد إنجلترا آنذاك, الذى ضمه إلى الماسونية, ممهدًا له طريق الحكم، ومعززًا صلته بأعضاء "تركيا الفتاة" التى عملت أحيانًا تحت اسم "العثمانين الجدد" أو الاتحاد والترقى. ارتبط عبد الحميد فى خلافة عمه السلطان عبد العزيز بعدد من ملوك العالم الذين زاروا اسطنبول، وعُرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة، وكان والده يصفه بالشكاك الصامت. تولى السلطان عبد الحميد الثانى الخلافة، فى 11 شعبان 1293ه، الموافق 31 أغسطس 1876م، وتبوأ عرش السلطنة يومئذ على أسوأ حال، حيث كانت الدولة فى منتهى السوء والاضطراب، سواء فى ذلك الأوضاع الداخلية والخارجية، وفى نفس السنة دخلت الدولة العثمانية فى أزمة مالية خانقة فى فترة السلطان عبد العزيز المبذر، ونجح العثمانيون الجدد من الإطاحة بحكمه سنة 1876م، فى مؤامرة دبرها بعض رجال القصر، واعتلى العرش من بعده مراد الخامس شقيق عبد الحميد، ليكون السلطان الجديد، إلا انه عُزل بعد مدة قصيرة قوامها حوالى ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، فتولى عبد الحميد الحكم من بعده الذى وافق مع العثمانيين الجدد على اتباع سياسة عثمانية متحررة، وقد نفى مدحت باشا إلى الطائف. أصدر السلطان أول دستور، وشهدت سلطنته عددًا من الأحداث الهامة، منها مد سكة حديد الحجاز الذى ربط بين دمشقوالمدينةالمنورة وبلد الخلافة. اتفقت الدول الغربية على الإجهاز على الدولة العثمانية التى أسموها "تركة الرجل المريض"، ومن ثم تقاسم أجزائها، هذا بالإضافة إلى تمرد البوسنة والهرسك، الذين هزموا الجيش العثمانى وحاصروه فى الجبل الأسود، وإعلان الصرب الحرب على الدولة بقوات منظمة وخطرة، وانفجار الحرب الروسية التى اندلعت سنة 1877م، وضغط دول الغرب المسيحية على الدولة لإعلان الدستور وتحقيق الإصلاحات فى البلاد، بالإضافة إلى قيام الثورات فى بلغاريا بتحريض ومساعدة من روسيا والنمسا. وكانت جريمة عبد الحميد الكبرى فى نظر الغرب الاستعمارى، رفضه لمطلب هرتزل بجعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود، رغم الإغراءات الخرافية التى قدموها له، فكان أن اتفق الغرب عليه، فتم عزله وخلعه من منصبه عام 1909 وتم تنصيب شقيقه محمد رشاد خلفاً له، وتوفى بالمنفى فى 10 فبراير من عام 1918م.