العديد من الجرائم ارتكبها مختلون عقليًا وأفلتوا من العقوبة.. خبير نفسى: الأسرة ليست مسئولة.. والهلاوس سبب الجرائم الاهتمام بالعلاج يجنب تدهور حالاتهم الصحية.. ومطالب بإصدار قانون يلزم الأسرة بذلك «تشريعية البرلمان»: لا يمكن إلزام الأسرة طالما المريض لا يؤذى أحدًا.. لكن المتضرر يمكنه تقديم بلاغ قانونى: المريض النفسى لا يفلت من العقوبة.. وخطة برلمانية لاحتواء المختلين عقليًا بالشوارع شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة، العديد من جرائم القتل والطعن التي ارتكبها "مرضى نفسيون ومختلون عقليًا"، كان آخرها قتل أمين شرطة في منطقة الجزيرة بالزمالك على يد شاب يعاني من مرض نفسي، وهو ما يفتح باب التساؤل حول التكييف القانوني لمثل هذه الجرائم، وهل هناك قيود يفرضها القانون على تحركات "المرضى النفسيين"، أم أن الأمر متروك لذويهم، بعيدًا عن نص قانوني أو إجراء طبي يلزمهم بذلك. فيما يخشى البعض من أن يمثل توصيف "المريض النفسي"، منفذًا للهروب من جرائم القتل، دون أن تُوقع عليهم العقوبات المقررة قانونًا في تلك الجرائم، فغالبًا ما يحصل مرتكبوها على البراءة، بل يعودون لممارسة حياتهم دون أن يخضعوا للعلاج أو معاقبتهم على أفعالهم، وهو ما يدفع بشدة في اتجاه إصدار تشريع يلزم بوضع المرضى النفسيين داخل مصحات للعلاج في حال ما كانوا يشكلون خطورة على المجتمع. بينما يخشى البعض من عرض أبنائهم على الأطباء النفسيين بسبب النظرة المجتمعية لهم، إذ أن هناك بعض الأهالي لا يفضلون اللجوء للعلاج النفسي، خوفًا من «العار» الذي قد يلاحقهم، ما ينتج عنه تدهور حالتهم الصحية، الأمر الذي قد يدفعهم في النهاية إلى ارتكابهم تلك الجرائم. «المصريون» ترصد أبرز الحوادث والجرائم التي ارتكبها «مختلون عقليًا». قتل أمين شرطة كانت آخر ضحايا الجرائم من هذا النوع، أمين شرطة، كان يتولى تأمين أحد البنوك بمنطقة الزمالك، والذي قتل طعنًا على يد شخص «مُهتز نفسيًا» كان يستقل سيارة فارهة وترجل منها، وسدد له عدة طعنات، فارق على إثرها الحياة. ويقول شهود عيان إن «المختل» فاجأ أمين الشرطة ويدعى على المليجي وقام بطعنه بسكين في مناطق متفرقة من جسده، ثم حاول الهرب، غير أن أمين الشرطة وعلى الرغم من إصابته، قام وبمعاونة المارة بمطاردة الجاني حتى تم الإمساك به وتسليمه للشرطة. قتل إمام مسجد بالهرم وفى أبريل الماضي، سدد أستاذ جامعي 3 طعنات قاتلة لإمام مسجد الرحمة بالهرم، أثناء الركعة الثانية من صلاة الجمعة. وألقى المصلون القبض على المتهم، والذي كشفت التحريات والتحقيقات أنه «مهتز نفسيًا» ومنقطع عن العمل. وأمر قاضى المعارضات بإيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، تحت الملاحظة، لبيان عما إذا كان يعانى من أمراض نفسية من عدمه، فيما استمعت النيابة لأقوال أسرته، التي أكدت أنه يعانى من مرض نفسي، وانقطع عن العلاج منذ فترة، وقدمت ما يثبت ذلك من أوراق. مقتل شاب ب "فيصل" وفى صباح يوم 18 يوليو 2019، شهد شارع "الأربعين"، المتفرع من شارع "فيصل" مقتل شاب عشرينى بعد أن سدد له مهتز نفسيًا عدة طعنات قاتلة وأصاب شخصًا آخر. وكشفت التحريات أن المتهم في العقد السادس من العمر و«مهتز نفسيًا»، وكان يمر بحالة نفسية سيئة، أدخلته في حالة هياج. ونفت وجود خلافات بين المجني عليهما والمتهم. مختل يطلق النار عشوائيًا وشهد الشهر ذاته، قيام مختل عقليًا بإطلاق النار بشكل عشوائي في محطة الضواحي بمنطقة بشبرا، لكن لم يصب أحدًا، وتمكنت قوات الشرطة من ضبطه وأحالته للنيابة العامة التي باشرت التحقيقات. يشعل النار فى شقيقته وفي أبريل الماضي، أقدم مختل عقليًا مقيم بمنطقة أبو راضى بالمحلة الغربية على الانتحار بعدما أشعل النار في شقيقته، وأدى ذلك إلى إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة. وأظهرت التحريات قيام شقيقها ويدعى «ر.ا» 40 سنة، مختل عقليًا، بإشعال النار فيها وإصابتها بتلك الحروق. مريض يذبح والديه بينما شهدت منطقة الحدائق التابعة لقسم شرطة كفر الدوار بالبحيرة، في يونيو 2018، جريمة قتل بشعة، راح ضحيتها أب وأم على يد الابن المريض النفسي، الذي قام بذبحهما وفر هاربًا، بسبب معاملتهما السيئة له وفر هاربًا. وأمرت المحكمة بإيداعه مستشفى المعمورة للأمراض العقلية، لإعداد تقرير عن حالته النفسية، وجاء تقرير الأطباء النفسيين، الذي أفاد بأن المتهم كان يعانى من مرض «الاضطراب الضلالي» وقت ارتكاب الجريمة، ولم يكن في كامل قواه العقلية حينها، فقضت المحكمة ببراءته، وشمل الحكم أمرًا بإيداعه مستشفى الأمراض العقلية، لحين عودته إلى رشده. أم تقتل طفليها بسكين وفي يناير الماضي، قامت «عائشة. ع. أ» ربة منزل، 24 عامًا، بذبح طفليها «عمر.م.ح.ص» 6 سنوات، و«زياد.م.ح.ص» 4 سنوات بسكين المطبخ، بمنطقة البداري بمحافظة أسيوط. مسئولية الأسر الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، قال إن «المختلين عقليًا أو المرضى النفسيين تدفعهم الهلاوس والأفكار الكاذبة إلى ارتكاب جرائم القتل وغيرها من الجرائم، حيث يعتقدون أن هناك من يريد قتلهم فيقومون بالتعدي على الآخرين أولًا، من باب «أتغدى بيه قبل ما يتعشى بيا». وأضاف ل«المصريون»، أنه «لا يمكن تحميل أسر هؤلاء الذين يعانون من أمراض نفسية مسئولية تلك الجرائم، حيث تقع المسئولية الجنائية على عاتق مرتكب الجريمة وحده؛ على اعتبار أنه من ارتكب الفعل». غير أنه أشار إلى «ضرورة محاسبتها على أفعال أبنائهم، خاصة أنه من المفترض والواجب قيامها بإخضاعهم للعلاج النفسي والذهاب بهم إلى المستشفيات والمصحات النفسية، لكن كثيرًا من أسر هؤلاء المرضى لا يقومون بذلك، ما يؤدي في النهاية إلى وقوع تلك الجرائم». وأوضح فرويز أن «المريض النفسي إذا تم وضعه منذ البداية في مصحة علاجية أو تحت إشراف أطباء متخصصين، فإنه سيمكن تلافي تلك الجرائم، وليس هذا فحسب بل سيعود إلى طبيعته بنسبة كبيرة»، متابعًا: «مريض الانفصام بعد حصوله على العلاج يتعافى تدريجيًا ويبدأ العودة للحياة مع استمرار العلاج». وفيما شدد على أنه «لا يوجد في القانون من يلزم الأسر بعلاج أمراضهم المرضى»، قال أستاذ الطب النفسي، إن «بعض الأسر تلجأ إلى المشايخ والكنائس من أجل علاج أبنائهم، غير أن حالتهم تزداد سوءًا». لا يمكن محاسبتهم شادية الجمل، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، قالت إن «المرض النفسي يختلف من شخص لآخر، كذلك طبيعة المرض والموقف تختلف، ولا يمكن معاقبة المريض على فعله، وإنما الأسرة والمجتمع والدولة والأجهزة المعنية جميعًا عليها توفير العلاج له وكذلك المصحات». وأضافت ل«المصريون»، أنه «لا يوجد بالدستور أو القانون ما يلزم الأسر على وضع أبنائهم المرضى داخل مصحات، ومن الصعب تنفيذ ذلك، لا سيما أن التشريعات تستغرق وقتًا طويلًا، فضلاً عن أنه من الصعب إلزام الأسرة بذلك، خاصة التى لم يتسبب أبناؤها في أي أذى». عضو لجنة الشئون الدستورية أشارت إلى أنه «لا يمكن إلزام الأسرة بوضع ابنها في مصحة نفسية طالما أنها تتحمله ولا يؤذى أحدًا، لكن إذا تسبب ذلك المريض في ضرر أو إيذاء لأحد فإن القانون يسمح بتحرير محضر بذلك، حيث يتم استدعاء الأسرة للتحقيق، والتوقيع على تعهد بأنها ستوفر الرعاية لنجلها وسترعاه؛ حتى لا يتكرر ذلك مرة أخرى». ومضت «الجمل» قائلة: «إذا لم يكن هناك قانون يلزم أو لا يمكن وجود مثل هذه القوانين، فالشرع أمر بالمحافظة على الأبناء ورعايتهم، وإذا كانت هناك أسرة لا تمتلك ما يساعدها على علاج نجلها فيجب توفير الإمكانات وسبل العلاج لها». عقوبة المريض النفسي بدوره، قال أيمن محفوظ، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة ، إنه «هناك فرقًا شاسعًا بين المرض النفسى والعقلى فى تكوين فكرة العقوبة، إذ أن المرض النفسى ليس مانعًا من العقوبة فى حد ذاته، وإنما الذى يمنع العقوبة هو الجنون بمعنى عدم إدراك الجانى لمدى خطورة أفعاله وخروج تصرفاته عن سيطرته بشكل مطلق». وأضاف ل«المصريون»، أنه «فى حال ادعاء الجانى الجنون تعرضه سلطة التحقيق أو محكمة الموضوع على الجهات المعنية لمدة لا تقل عن 45 يومًا للتأكد من سلامة قواه العقلية»، مستدركًا: «إذا ثبت أنه مريض يعد مرتكبًا للجريمة سواء كان يعانى من اضطراب فى السلوك أو غيرها من الأمراض النفسية». وأردف: «الخلاصة أن المرض النفسي لا يسمح للمريض بالإفلات من العقوبة مهما كانت درجة جسامة المرض النفسي، أما إذا ثبت من التقارير الطبية جنون القاتل وعدم مسئوليته عن أفعاله فيكون في تلك الحالة مريضًا، وتنعدم عليه المسئولية الجنائية ولكن يودع بقرار قضائي في أحد المستشفيات العامة للعلاج، ولا يخرج إلا إذا أثبتت التقارير الطبية شفاءه تمامًا، أو تعهد الأهل برعايته إذا كان مرضه مزمنًا وأقام فترة طويلة بالمأوى العلاجي». وشدد محفوظ على أنه «لا يوجد نص قانونى يلزم أهل المجنون أو المريض النفسى بمسئوليتهم عن أفعال المريض القريب لهم، لكنه من الضرورى المطالبة بنص تشريعى يلزم الأهل برعاية مريضهم وتكون عليهم مسئولية جنائية، وإلزامهم بالتعويضات للمتضررين من أفعال مريضهم إذا ثبت تقصيرهم فى رعاية القريب لهم المريض العقلي». توصيات برلمانية توصيات برلمانية وكانت لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، قررت خلال دور الانعقاد المنصرم فتح ملف الصحة النفسية فى مصر ومشاكل الإدمان، وذلك بحضور الدكتورة منن عبدالمقصود، الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان. وقال حاتم عبدالحميد، عضو لجنة الشئون الصحية بالبرلمان، إن اللجنة قدمت عدة توصيات موجهة لوزارة الصحة، مضيفًا أن أهم توصياتها زيادة عدد المستشفيات الخاصة بالصحة النفسية فى مصر؛ لاستيعاب المختلين عقليًا بالشوارع. وأضاف ل«المصريون»، أن «اللجنة طالبت وزارة الصحة بضرورة مراعاة المختلين عقليًا واعتبارهم فاقدي الأهلية بدون أسر ترعاهم، وهنا يجب على الوزارة مراعاة هؤلاء المرضى وعدم إهمالهم وتركهم يعيشون في الشوارع». عضو لجنة الشئون الصحية شدد على أنه «يجب على الدولة أن تحنو على المختلين عقليًا؛ لأن هذا أبسط حقوقهم الإنسانية كمواطنين مصريين لهم حقوق».