داج همرشولد، اقتصادى سويدى من مواليد عام 1905، عمل كنائب لوزير الخارجية فى بلاده، وهو الأمين العام (الثانى) للأمم المتحدة بين عامى 1953 و1961، وبعد مصرعه لقب ب "شهيد القارة السمراء". بعد استقالة تريجفى لى، الأمين العام الأول للأمم المتحدة، عام 1953ثم التجديد له عام 1958، تولى همرشلد منصب المنظمة الدولية، وبقى فى منصبه حتى مقتله فى مثل هذا اليوم عام1961، حيث لقى مصرعه فى حادث تحطم طائرته فى الكونغو إثر توجهه إلى روديسيا (زامبيا) لمفاوضة تشومبى حول مشكلة الكونغو وانفصال إقليم كاتنجا عن الكونغو (زائير سابقاً)، وحتى يومنا هذا لم تُعرف الجهة التى كانت وراء تحطم طائرته، وانتهت كل التحقيقات إلى طريق مسدود. كان همرشولد موظفًا فى الحكومة السويدية، يشغل وظيفة كبيرة ولكنها لم تصل إلى مرتبة الوزير، وكان أهم ما فيه أنه من عائلة ارستقراطية، وعلى جانب كبير من الثراء، فقد كان أبوه رئيس وزراء السويد، وكان أجداده من المحاربين فى جيوش السويد التى كانت تعيش فى حروب مستمرة مع جيرانها، قبل أن تتحول فى تاريخها الحديث إلى دولة محايدة تدعو للسلام وتعيش فيه، ولم يكن أحد قد سمع باسمه خارج بلاده، إلا أنه كان عضوًا فى اللجنة التى تبحث موضوع المرشحين لجائزة نوبل للسلام، وعندما هبطت طائرته فى مطار نيويورك ليتولى منصب الأمين العام بعد تريجفى كان أول سؤال وجهه له الصحفيون: كيف يُنطق اسمه؟، أراد أن يُبسط اسمه فقال إنه مكون من كلمتين: هامر (المطرقة)، وشيلد (الدرع)، فهذا الاسم الذى أطلق منذ عدة قرون على جده المحارب. لم تمض عدة سنوات حتى أصبح لهذا الرجل قوة هائلة على المسرح الدولى تضاهى قوة الدول الكبرى مع اختلاف الأدوار، وصار من أحد ثلاثة أو أربعة رجال فى العالم هم أقوى زعمائه وقادته، حتى أنه عندما تأزمت الأمور فى إحدى المراحل اقترح الزعيم السوفييتى "نيكيتا خروشوف" عقد مؤتمر قمة على أعلى مستوى، اقتصر الاشتراك فيه على ستة رجال: رؤساء الدول الخمس الكبرى وسادسهم همرشولد. كان أول امتحان فعلى لجدارته لمنصبه كأمين عام للأمم المتحدة، هو العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، فى أعقاب تأميم مصر قناة السويس، واتفاق إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على القيام بخطة عسكرية للقضاء على خطر مصر على إسرائيل، واستعادة بريطانيا وفرنسا لقناة السويس. قرر همرشولد أن يدعو مجلس الأمن للانعقاد، لكى يتخذ موقفًا فعالاً فى وقف العدوان، ورد القوات المعتدية، وإعادة الهدوء للمنطقة، وألقى عند افتتاح المجلس كلمة وجيزة، ولكن كان لها أثر بالغ فى المجلس وفى العالم، حيث حدد مهمة الأمين العام حين قال: "إن مبادئ ميثاق الأممالمتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأى دولة، وأن هذه المبادئ هى مرجعه الأول والأخير فيما يحق له أن يفعله، وليس فى إمكان الأمين العام القيام بعمله إلا إذا حافظت كل دولة من الدول الأعضاء على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأممالمتحدة.. إن معنى ما قلته واضح للجميع دون أى حاجة إلى إسهاب أو تفصيل، أما إذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى فى واجبات الأمين العام فمن حق هذه الدول كما أن من حق الأمين العام أن يتصرفوا تصرفاً آخر"، وكانت الجملة الأخيرة تحمل تصميمه على الاستقالة "إذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى" كإشارة منه إلى أن على الدول الأعضاء أن تُعلن الآن موقفها، وكان موقفًا رائعًا لم يتكرر، ساعد فى وقف العدوان، وانسحاب الدول المعتدية.