أحلام ضائعة وطفولة مهدرة على الطريق «عبدالرحمن»: «كان نفسى أكمل تعليمى بس مين هيصرف على عيلتى».. «أحمد» صاحب ال 7 سنوات: بأجيب العلاج لأمى المريضة «حقوق الطفل»: أطفال ال«توكتوك» أكثر عرضة للخطر والحوادث.. وقانونى: القوانين غير مفعلة على الرغم من أن انتشار "التوكتوك" في شوارع مصر ليس بالظاهرة الجديدة على المجتمع المصري، ورفض قطاعات كثيرة له، خاصة بعد أن أصبح وسيلة لبعض مرتادي الإجرام، إلا أنه في الوقت فتح ملايين البيوت، إلا أنه كان لافتًا هيمنة الشباب والأطفال على العمل عليه، والذي يعتمد عليه الكثير منهم كمصدر للدخل للكثير من الأسر، ما يكفيها شر الحاجة والسؤال. فالكثير من الأطفال يتجهون إلى امتهان العمل عليه في سن مبكرة؛ وهو ما زاد معه نسبة التسرب من التعليم والمهن اليدوية، حيث اختفى الطفل "بلية" من مختلف الحرف، ليحل محله صبي "التوكتوك" الذي ضاعت طفولته وأحلامه على الطريق، وأصبح كل الأمل هو "اليومية" التي ستحصل عليها أسرته لتعنيها على الاستمرار في الحياة. تصطف عشرات "التكاتك" أمام محطات المترو، وبجوار مواقف الميكروباص، في شوارع المدن والقرى، تسمع النداء: "توكتوك يا باشا" في رحلته على مدار اليوم، حيث لا يمل من البحث عن زبون؛ أملًا في أن يحقق في نهاية اليوم حصيلة توفر المتطلبات الضرورية للحياة. قوانين كثيرة تم سنها لحماية الأطفال من العمل في سن مبكرة، ووضع شروط خاصة لعملهم، وهناك 4 مواد تم وضعها لعمل الطفل، وهي مادة 98، ومادة 100، ومادة 101، ومادة 102، في قانون العمل الجديد للقوى العاملة الذي اشتملت نصوصها على حظر تشغيل الطفل الذي لم يبلغ 15 عامًا. إلا أنه يجوز تدريبهم في سن 13 عامًا، بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم كما ألزم مشروع القانون كل صاحب عمل بمنح الأطفال الذين يعملون لديهم ولم يبلغوا سن 16 عامًا، بطاقة تثبت أنه يتدرب أو يعمل لديه، وتلصق عليها صورة الطفل، وتعتمد من الجهة الإدارية. كما حظر تشغيل الأطفال لمدة 6 ساعات، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل عن ساعة في اليوم، بحيث لا يمكن تغييرها بحيث لا يعمل الطفل 4 ساعات متصلة. وحظر مشروع قانون العمل أيضًا، تشغيل الأطفال ساعات إضافية أو تشغيله في أيام العطلات الرسمية أو الراحة الأسبوعية. الفقر لا يرحم إلا أن الفقر لا يلتزم بقوانين، وفي الأحياء الفقيرة والعشوائية لا يلتزم الكثيرون، في ظل الفقر والعوز. وينص قانون ترخيص "التوكتوك" على منع قيادة "التوكتوك" لمن هم أقل من 18 عامًا، وإلزام قائديه باستخراج رخصة قيادة شخصية، إلا أنه في الواقع هناك أطفال لم يتجاوزا 10 سنوات يقودون "التوكتوك". وتقول نجلاء سامي، نقيب سائقي الدراجات البخارية و"التوكتوك"، إن معظم سائقي "التوكتوك" من الأطفال، وأشارت إلى أنها تحاول منذ عدة سنوات التصدي لهذه الظاهرة. حلم التعليم "كان نفسي أكمل تعليمي.. بس مين هيصرف على عيلتي"، هكذا علق "عبدالرحمن"، الذي لم يتجاوز عمره 15 عامًا، ويعمل على "توكتوك" في منطقة فيصل بالجيزة. "عبدالرحمن" الذي يبدو على ملامحه الفقر والشقاء ولمحات من الأمل في غدٍ قد يحمل له الخير يضيف ل"المصريون": "أنا كبير أخواتي، عندي 3 بنات وولدين، وأبويا راجل كبير في السن، مش هيعرف يشتغل، وأمي ست مريضة بتاخد علاج ضغط وسكر، شيلت المسئولية من بدري". وتابع: "خدت الإعدادية مرضتش ادخل ثانوي علشان مصاريفه عالية، ونزلت الشارع أدور علي شغل مالقيتش غير "التوكتوك" أحسن حاجة ليا، وبشتغل عليه وأنا ورزقي ممكن في اليوم اعمل 50 جنيه، وساعات لما يكون الحال حلو ممكن أعمل 100 جنيه، بعد ما بسلم لصاحب التوكتوك نصيبه". "عبدالرحمن" يختزل كل أحلامه فيما يحققه لأسرته "كل اللي نفسي فيه وبفكر فيه دلوقتي إني اجيب لعيلتي كل اللي محتاجينه، ولو ربنا فرجها عليا هعلم اخواتي الصغيرين، واحقق فيهم حلمي اللي اتحرمت منه". طفولة مهدرة "أحمد"، طفل 7 سنوات، يبدو على ملامحه الفقر وسوء الحال من ملابس قديمة، وأيدي غير نظيفة، ووجه يبدو أنه لم يعرف الطعام الجيد، ولا الراحة، يبدأ يومه منذ الساعة ال10 صباحًا، ويعمل حتى ال11 مساءً، بعد أن قام بتأجير "التوكتوك" باليومية، يعطي صاحبه آخر اليوم 100 جنيه دون احتساب البنزين، الذي يقوم بتوفيره من أجرته، لينهي يومه بصافي، ما جمعه الذي يتراوح بين 50 و75 جنيهًا. يقول "أحمد"، ل"المصريون": "أنا ما برحش المدرسة، ومش عايز أروح.. العيال هيقعدوا يعايروني إني سواق توكتوك، وكمان هجيب منين المصاريف، أنا يدوبك بكفي علاج وأكل أمي، هي مالهاش حد غيري وتعبانة لازم أنا اللي أصرف عليها، وأشيل مسئوليتها، وهكمل حياتي كده.. وبكره ده مش عايز اعرف عنه حاجة ربنا بس يخلي لي أمي، وما يحرمنيش منها يارب". هارب من زوج أمه تقطر ملامحه حزنًا وبلطجة بالعديد من الجروح الغائرة فيه، لم يتجاوز عمره 12 عامًا، إلا أن جروح وجهه تشير إلى أنه عانى كثيرًا، وأسلوبه في الحديث يدل على أنه يعيش في الشارع، فألفاظه خادشة وأسلوبه فظ غير لائق. كانت المفاجأة في الحديث معه التي كشفت عن كثير من معاناته في الشارع والسبب في مظهره الفج. يضيف: "أنا هربان من البيت من حوالي 4 سنين، جوز أمي دايمًا بيضربني ويشتمني وأمي مش بتعمله حاجة، فكان لازم أهرب، كنت في سنة ثالثة ابتدائي لما هربت بس خلاص مش عايز أروح المدرسة، الشارع بقي هو مدرستي ودلوقتي بعرف أحمي نفسي ومش بخاف من حد، وحلمي الوحيد أني ما ارجعش لجوز أمي تاني". يضيف: "سيبت إسكندرية بلدي، وجيت علي هنا، وبنام في الشارع، واتعرضت لمشاكل كتير، وناس عرضت عليا حاجات وحشة تعملها معايا بس اتخانقت معاهم، وناس قالت لي أبيع مخدرات بس رفضت خفت ليتقبض عليا ويرجعوني لجوز أمي، بشرب سجاير وساعات "حشيش" بس عادي كل الناس بتشرب وبيتباع في الشارع عادي". حقوق الطفل.. قوانين فى الثلاجة يقول الدكتور هاني هلال، مدير "المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الأطفال" (غير حكومية)، إن الأطفال الذين يقودون "التكاتك" في شوارع العاصمة أكثر عرضة للخطر والحوادث. وأضاف: "لدينا قوانين كافية لوقف عمل الطفل، لكن لا يتم تفعيلها بصورة كافية، ومنها قانون يحمي الطفل من أهله حين يقومون بإجباره على العمل، وتتم معاقبتهم ودفع غرامات بل قد تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن 6 أشهر". وأوضح أن "الطفل الذي يعمل مبكرًا يعانى من اضطرابات نفسية، لأنه يلجأ للمخدرات في بعض الأحيان، وبالتالي عند العلاج يحتاج إلى فترة طويلة لإعادة تأهيله للمجتمع مرة أخرى". يؤكد المستشار القانوني، محمد محمود إمام، المحامي بالنقض، أن "قوانين حماية الطفل تحرم عمله في سن مبكرة، وتحميه من كثير من المخاطر التي قد تواجهه، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن كثيرًا من الأطفال يعملون بعيدًا عن أعين القانون في الأحياء الفقيرة والعشوائية". يضيف ل"المصريون": "هناك ظاهرة جديدة انتشرت في المجتمع، وهي غياب كثير من المهن اليدوية الحرة مثل "النجارة والحدادة والسباكة"، وغيرها بسبب اختفاء النشء، وأصبحوا ا يلجأون ل"التوكتوك"، بسبب سهولة العمل عليه، ولتحقيقه ربحًا أكبر، خاصة أن الدخل اليومي للأطفال العاملين في تلك الحرف لا يتجاوز 30 جنيهًا". يتابع الخبير القانوني: "يجب السعي لإصلاح المنظومة الكاملة؛ حتى نتمكن من القضاء على الظاهرة، ويتمكن الأطفال من ممارسة حياتهم بصورة طبيعية كما نصت عليها جميع القوانين".