إذا كان العلمانيون المصريون أصحاب مرجعية غربية وخلفية أوروبية "وعاملين دماغ أمريكانى" فلماذا لا ينهجون نهج الساسة الغربيين فى التأقلم مع الثقافات السائدة فى المجتمع بدلاً من هذه الازدواجية التى توشك أن تحولنا جميعًا إلى مرضى"انفصام الشخصية". ففى معظم الدول الأوروبية هناك أحزاب اشتراكية ولا شك أن أصحابها يؤمنون بالاشتراكية كما جاءت فى كتب ماركس ولكن لم نسمع أن حزبًا اشتراكيًا دعا إلى تأميم القطاع الخاص أو إلغاء الأحزاب أو تطبيق فلسفة "كل يعمل بقدر طاقته ويأخذ بقدر حاجته"، فقيم المجتمع الحر الليبرالى قد ترسخت حتى صارت دينًا وأيديولوجية ومقومات أساسية للمجتمع الأوروبى، والاشتراكيون الأوروبيون جزء من هذا المجتمع فلا تجد فى برامجهم وخطتهم ما يخالف القيم الليبرالية سوى فى القليل من الانحياز لمزيد من العدالة الاجتماعية، فلا نجد أى صدى لأفكار الصراع الطبقى وحكم "البلوريتاريا" والمصطلحات المجعلصة حول البورجوازية والإمبريالية التى يقرقش الاشتراكيون المصريون دماغنا بها. كذلك الرأسمالية لم تعد تلك التى تعلمناها من الكتب فى توحشها وطغيانها فالنقابات العمالية وتدخل الدولة فى تنظيم علاقات العمل ومنع الاحتكار وإدخال أنظمة وبرامج للضمان الاجتماعى كل ذلك وغيره غير كثيرًا من شكل النظام الرأسمالى ليتوافق مع قيم المجتمع الأوروبى التى تعلى من قيمة الفرد وتعظم حقوق الإنسان. أما مثقفونا وأولو النخبة فينا فيريدون أن يأتوا إلينا بالشيلة كما هى مطبقة فى أوروبا الآن ويتجاهلون تمامًا أن هذه الفلسفات والأفكار يجب أن يتم تعديلها مرة أخرى لتتناسب مع قيمنا وعقيدتنا وشريعتنا، ولكن مثقفينا يفتقرون إلى الخيال والقدرة على الإبداع والتفكير كما أنهم يجهلون حقائق الإسلام وثوابته الشرعية جهلاً مدقعًا أو يتجاهلونها ولو تعمقوا فى دراسة الإسلام من مصادره الأصلية وليس من كتب الجاحدين له لوجدوا فى مساحات العفو الشاسعة التى تركها الإسلام للعقل البشرى متسعا لإبداعاتهم الفكرية لكنهم يؤثرون الاستسهال بطريقة "كوبى آند باست" لأفكار الآخرين. ففى وسط مجتمع مسلم يبحث عن الحلال والحرام فى أمور حياته كلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلى مستوى السلوك الشخصى هذا فضلاً عن منظومة التقاليد والأعراف التى تضبط سلوكيات الناس لا بد أن يدرك الإخوة "الخواجات" أن قرب الماء التى جلبوها من آبار الغرب لن تجد لها سوقاً رائجة فى حارة السقايين، مثلاً كيف يزدهر اقتصاد قائم على الربا وتنتعش معاملات البنوك فى وسط مجتمع يحرم التعامل بالربا من قمة مثقفيه إلى قاعدة عوامه، لذلك فالكثير من المصريين يفضلون وضع أموالهم تحت البلاطة أو فى قلب "البلاص" خير لهم من وضعها فى كروش المرابين، فأين إبداعات خبراء الاقتصاد عندنا ليضعوا لنا نظامًا حديثًا يجنب الناس شبهة الربا ويستخرج مدخرات المصريين لتدخل ضمن دورة الاقتصاد الوطنى، وقس على ذلك كل مفردات وأشكال النشاط والسلوك الغربى يمينه ويساره فى كافة المجالات الذى يريد السادة الخواجات المتمصرون أو المصريون المتأخوجون أن يفرضوه علينا أو على الأقل ينشروه بيننا بحجة مدنية الدولة، أقول هذا بمناسبة أن الكثير من القوى والأحزاب التى تسمى نفسها بالمدنية تزعم أنها أدركت أخيرًا أن سبب الخسران المبين والخيبة القوية التى أصابتهم بغض النظر عن أى سكر أو زيت تم توزيعه من الآخرين هو أنهم كانوا يتنقلون بين الفضائيات وليس بين الحوارى والأزقة وأنهم لم يكونوا يرون فى مصر كلها إلا مدينة واحدة هى مدينة الإنتاج الإعلامى لذلك فقد قرروا النزول إلى الشارع والاحتكاك المباشر بالمواطنين، وإن كنت أشك فى أن لديهم القدرة على ذلك لكن على رأى المثل"خليك ورا الكداب لحد الباب" أقول لهم عليكم قبل النزول أن تراجعوا كل موروثكم الفكرى والحضارى الغربى وتبذلوا جهدًا مخلصًا فى تطوير وتعديل أيديولوجياتكم الغربية وتعيدوا قراءة الإسلام بعيدًا عن كتب جمال البنا وعلى عبد الرازق وطه حسين لتعرفوا جيدًا موضع أقدامكم وتدركوا كم هى المسافات متباعدة بينكم وبين رجل الشارع، يعنى من الآخر عندما تجدوا أن أحذيتكم لا تناسب مقاسات أقدامنا فلا تطلبوا منا أن نقطع جزءًا من أقدامنا لتناسب مقاس الحذاء ولكن عليكم أن تعدلوا مقاسات الأحذية حتى تناسب أقدامنا.. هذا وإلا ستجدون رجل الشارع منهمكًا فى البحث عن حذاء يناسب مقاس رؤوسكم. [email protected]