ما الفرق بين خيرت الشاطر وحسن مالك وسائر رجال الأعمال الإسلاميين من ناحية وبين رجال الأعمال لصوص الحزب الوطنى؟ والإجابة عن هذا السؤال تكشف عن الفرق بين الاقتصاد الإسلامى والرأسمالية الغربية المتوحشة، فقد حاول العلمانيون بعد زيارة السيد الرئيس للصين الخلط بين هذا وذاك وضللوا الناس قائلين بأن "كله رأسمالية"، مع أن الصين دليل على أن التقدم ليس سبيله الوحيد هو التبعية للغرب وتقليد نظامه الرأسمالى.. وإن هؤلاء الكارهين للإخوان وللإسلام ينكرون الاقتصاد الإسلامى كوسيلة للتقدم، وقد سبق لأدعياء الماركسية من قبل أن أفهمونا بأن الإقطاع فى الدولة الإسلامية كان مثل الإقطاع فى أوروبا و"كله إقطاع"، وفى هذا جهل بالتاريخ إذ نجد "هندريك فان لون" فى كتابه "قصة الجنس البشرى" يقول: (إن الإقطاع فى أوروبا فى العصور الوسطى كان قاسيا متوحشا وجعل الجميع عبيدا للسيد مالك الأرض وقد نشر الفقر والجهل حتى أنه لم يكن فى القرية الأوروبية من يعرف القراءة غير القسيس حتى سميت هذه الفترة باسم عصور الظلام، بينما كان الإقطاع فى الدولة الإسلامية رحيما بالناس يقدم لهم الخير والتنمية، فأنشأ الملوك والأمراء والأثرياء الحمامات وسبل المياه والمدارس والمستشفيات والخانات والتكايا، ليأكل الناس ويشربوا ويتعلموا ويعالجوا بالمجان، وذلك بواسطة آلية الوقف "حيث يوقف الإقطاعى مثلا أرضا زراعية كبيرة للإنفاق على هذه المنشآت فى سبيل الله"، وعبارة "فى سبيل الله" هذه هى ما لا يعرفه الغرب حتى الآن، بل إن القانون عندهم يسمى ذلك باسم "عقد الغبن" أى الظلم، فالصدقة والهبة لديهم هى ظلم لمن يعطيها لأنه لم يأخذ فى مقابلها شيئا، والعقد عندهم هو علاقة بين طرفين يجب فيها أن يقدم كل منهما شيئا للآخر، ولذلك فإنهم فى شوارع أوروبا حتى الآن لا يعطون للشحاذ مليما ولو ظل يمد يده طول اليوم إلا إذا قدم للمارة شيئا من الحركات المضحكة أو عزف لهم شيئا من الموسيقى.. وكان الوقف الإسلامى هو ما حقق به الأمراء والأثرياء النهضة والحضارة الإسلامية حتى كان فى "قرطبة" وحدها 50 مستشفى، وكذلك 150 مدرسة بالمجان، وكان الأزهر الشريف يقدم للطلبة المسكن والطعام والكتب من أموال أوقاف الأزهر حتى وقت قريب، وكان هذا هو ما يحدث فى العصور الوسطى، بل إن الفلاحين فى أوروبا الشرقية كانوا يهربون من الإقطاعيين الأوربيين إلى الإقطاعيين المسلمين فى أملاك الدولة العثمانية المجاورين لهم هاربين من الظلم ويدخلون الإسلام، وإن أحفاد هؤلاء هم المسلمون الموجودون الآن فى كوسوفا والبوسنة والهرسك، وهذا ما شرحه لنا أستاذى "محمد يوسف عدس" فى كتابه "كوسوفا بين الحقائق التاريخية والأساطير الصربية".. والآن يعود العلمانيون لمهاجمة المستثمرين الإسلاميين بنفس منطق التعميمات الخاطئ قائلين إنهم رأسمالية وتكرار للصوص الحزب الوطنى، وذلك نتيجة لجهلهم بطبيعة الاقتصاد الإسلامى الذى يرفض مفاسد الرأسمالية الغربية وهى الاحتكار والاكتناز والربا، لأنه اقتصاد إنسانى رحيم ولأنه عنصر من عناصر منظومة الإسلام المتكاملة والتى مركزها عقيدة التوحيد والعدل والتى تحكم سلوك الإنسان المسلم كمنهاج وأسلوب حياة ومن بينه السلوك الاقتصادى، فالله هو الخالق المحاسب يوم القيامة والذى يجب أن نخشاه، وبدون ذلك يصبح المستثمر غشاشا ونذلا ومتوحشا ومدمرا لا يمكن السيطرة عليه بقوة القانون والشرطة لأنه يشترى الجميع بأمواله ولا يهمه سوى مصلحته اللحظية الشخصية، (اتخذ إلهه هواه)، وفى ذلك يقول "بريجنسكى" المستشار الأسبق للأمن القومى الأمريكى: إن الإنسان فى الغرب لا يعرف الغير ولا يعرف الخير، أما فى الإسلام فإن المسلم مبرمج على فعل الخير ومحبة الآخر، ولذلك فإن العمليات الاقتصادية أى الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والادخار تتم فى إطار مرجعى دينى أخلاقى فلا يتم الاستثمار فى إنتاج سلع أو خدمات ضارة بالناس وإنما لابد أن تشبع حاجاتهم الضرورية من مأكل وملبس لا إنشاء الملاهى الغالية ومصانع اللبان والشيبسى والبيبسى والأغذية الملونة المسببة للسرطان". ويقول "جارودى" فى كتابه "وعود الإسلام": إن فرنسا قد ارتكبت جريمة فى حق الجزائر حين كان رجال أعمالها يزرعون بدلا من القمح العنب لمصانع الخمور التى يحرمها دينهم. وإن المصلحة فى الإسلام ليست مصلحة فرد أو طبقة وإنما هى مصلحة دائمة للأمة. ويقول "روبرت كرين" المستشار الأسبق الرئيس الأمريكى والذى فصلوه حين أعلن إسلامه: (إن حقوق الإنسان والعدل فى الغرب مجرد شعارات وتمثيلية هزلية لأنه مسألة نسبية، أما الإسلام فهو وحده الذى يحقق ذلك، لأنه مطلق وإذا كانت الإدارة الحديثة هدفها الربحية فقط، حتى لو قامت المنشأة بأعمال غير أخلاقية فإن الإسلام يرفض ذلك لأنه يستبدل فكرة النجاح المادى بفكرة الفلاح التى يمتد أفقها إلى الآخرة، حيث الجزاء عند الله لذلك لن يكون رجال الأعمال الإسلاميون أبدا مثل لصوص الحزب الوطنى وسيشاركون فى التنمية والنهضة بآلية الوقف الذى نطالب بعودته، ولأنهم يخشون الله فى كل سلوكهم الحياتى وبالتالى الاقتصادى، وإذا حدث أى خطأ فإنه سيكون خطأ الأفراد وليس خطأ الإسلام.