أما الأمنية فهى أمنية صادقة من القلب أن يخذل الرئيس كل من توقع بما فيهم كاتب هذه السطور- أنه سيحول مصر إلى ديكتاتورية دينية تقيد فيها الحريات وتضطهد فيها الأقليات باسم الدين. عندما شاء العسكر أن يضعونا أمام الاختيار الصعب ما بين دولة العسكر وفلول مبارك بقيادة الهارب أحمد شفيق أو دولة الإخوان المسلمين دعوت الجميع إلى رفض بقايا نظام مبارك وإعطاء الإخوان فرصة من خلال انتخاب الرئيس مرسى. والآن أنا فى غاية السعادة والفخر وأنا أرى الرئيس مرسى يخلصنا من حكم العسكر بقيادة المشير، الذى لم يدخر جهداً هو ومجلسه العسكرى غير المأسوف عليه للقضاء على ثورة 25 يناير.. لم أثق للحظة واحدة فى نوايا المشير وجماعته ومقالاتى منذ عام، بدءاً ب"ماذا يريد المجلس العسكرى" و"عسكر وحرامية" و"العسكرى يقود مصر للخراب"و"عندما تتحول الثورة إلى مهزلة".. إلخ كلها تشهد بهذا. أتمنى أن يحذو الرئيس مرسى حذو أردوغان فى تركيا فى إقامة دولة ديمقراطية تقوم على المساواة والعدل واحترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء واحترام أحكامه. إننا ندعو له مخلصين ونقف جميعاً وراءه من أجل تحقيق أهداف أعظم ثورة فى تاريخ مصر ثورة 25 يناير، التى ألهمت العالم كله بسلميتها وتحضرها وجعلتنا نرفع رؤوسنا خارج مصر لأول مرة منذ ثلاثين عامًا ونقول بفخر إننا مصريون. لقد قامت هذه الثورة العظيمة لتخليص مصر من الفساد والاستبداد والظلم والامتهان والفقر ولا يراودنى أدنى شك فى إخلاص هذا الرجل، وإنه سيسعى لتحقيق كل هذه الأهداف الصعبة. ونقول له لا تعبأ بالنقد غير البناء خاصة من بعض السياسيين، الذين كانوا يتوقعون بعض المناصب الوزارية، فلما تعداهم الاختيار أطلقوا سهامهم على الحكومة الجديدة دون تمييز، والمؤسف أنهم يطالبون بحكومة من السياسيين فقط بدلاً من التكنوقراط الذين يمثلون الغالبية فى الحكومة الحالية.. والحقيقة أن حكومة السياسيين فقط لم تحدث فى تاريخ مصر منذ ثورة يوليو 1952، حيث حرص كل الرؤساء السابقين على اختيار جل الوزراء من أهل الثقة على حساب أهل الخبرة والكفاءة والتخصص فكانت النتيجة تدهور مستوى المعيشة فى مصر بشكل منتظم، وعلى سبيل المثال فإن سعر الدولار أمام الجنيه أيام تولى مبارك رئاسة مصر كان حوالى 70 قرشًا، أما اليوم فإن الدولار يساوى أكثر من 6 جنيهات وبحكم التخصص فى عالم المال والاقتصاد فإن أسرع طريقة لإفقار أى شعب هى تخفيض قيمة عملته أمام العملات ألأجنبية ويمكنك دائمًا استنتاج الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لأى شعب من خلال تطور قيمة عملته المحلية أمام العملات الرئيسية فى العالم. ومرة أخرى لا يمكن بأى حال أن يتولى وزير سياسى بحت وزارة الاقتصاد أو المالية على سبيل المثال، لأنه دون فهم عميق لتبعات السياسة النقدية والسياسة المالية وتطورات الاقتصاد العالمى لا يمكن لمثل هذا الوزير السياسى أن يحقق أى نوع من التنمية الاقتصادية والبشرية الحقيقية فى بلد يعانى من الفقر واختلالات هيكلية قديمة فى بنيانه الاقتصادى والاجتماعى، كما هو الحال فى مصر. فى عصر مبارك تم اتباع نظام اقتصادى يعتمد بشكل أساسى على ما نسميه فى الاقتصاد بسياسة التمويل بالعجز، وكتبت الكثير من الزملاء الاقتصاديين مراراً نحذر من هذه السياسة، التى تؤدى إلى نموذج تنموى مشوه يعانى من التضخم الجامح ولا يستفيد منه إلا الأغنياء، ولهذا يعيش الآن أكثر من نصف سكان مصر تحت خط الفقر المدقع.. وهؤلاء بالمناسبة كان مبارك يدعى دائماً ودون أدنى حياء أو خجل بأنه "منحاز لهم"!! لا أقول إن تشكيل الحكومة الحالى مثالى، ولكنه خطوة على الطريق للخلاص من حكومات أهل الثقة وأحسب أن الرئيس مرسى سيقوم بتعديلات فى هذه الحكومة قريبًا لزيادة كفاءتها. أما الرجاء فهو أن يحذر الرئيس مرسى من نزلاء سجن مزرعة طره، وأن يسعى بهمة لتقويض أركان النظام السابق وفلوله، وكما كتبنا من قبل فإنه لا يمكن لأى ثورة أن تنجح إلا على أنقاض النظام البائد. إن قواعد نظام مبارك مازالت بخير وعافية وجذورها ضاربة فى كل ربوع مصر ومؤسساتها وهدمها يحتاج إلى محاصرة الرؤوس الكبيرة، التى تتمتع بحرية حركة كبيرة فى سجونها التى تحولت إلى فنادق فاخرة، وهم مزودون بأحدث وسائل الاتصال، ولن يكفوا عن التآمر على مصر لإفشال رئيسها الجديد ووأد ثورتها ولديهم ثروات فادحة لتنفيذ مخططاتهم. ولعلى أختم بواقعة ظريفة قرأتها فى إحدى الصحف المصرية على النت إذ أعلن أحد أعضاء المجلس العسكرى المنحل واسمه اللواء الروينى استقالته من المجلس، مبرراً هذا بأنه لا يشرفه العمل فى ظل إدارة الرئيس مرسى، وأنا أقول لهذا اللواء إننا أيضاً لا نحب أن يكون فى جيشنا العظيم، وأن يرأس جنودنا وضباطنا الشرفاء اللواء الروينى، الذى كان له دور بارز فى قمع المتظاهرين ضد حكم العسكر وسحل بناتنا وتعريتهم فى الشارع على مرأى من العالم وكان من المؤيدين لإجراء كشوف العذرية على بناتنا داخل معتقلات الجيش وسط استنكار العالم، لقد سمعت أن الروينى كان مسئولاً فى الجيش قبل ثورة 25 يناير عن أحد مصانع تعبئة المكرونة وصالة أفراح داخل أحد فنادق الجيش. ولكن أحد هفوات الزمن الردىء جعلته يترك مصنع المكرونة والصالة ويقفز إلى الأضواء والبرامج التليفزيونية أثناء فترة حكم العسكر وكم كان مستفزاً لمشاعر الناس وسمعت أنه كان السبب فى فصل إحدى مذيعات التليفزيون المصرى لمجرد أنها كشفت مدى سطحيته فى أحد البرامج. مستشار اقتصادى مصرى [email protected]