اعتبر البعض أن خطبة مرسى المزلزلة لأدبيات الدولة الإيرانية فى قلب عاصمتها عودة إلى العصر الحنجورى الناصرى، الخطاب السياسى مؤثر جدًا فى عالمنا العربى والإسلامى ولا يمكن الاستغناء عنه، فقد لعب أدوارًا كبيرة خلال الحقب الماضية فى تشكيل الهوية وفى خلق مشروع قومى يجتمع حوله الناس. الخطب وحدها لا تكفى.. لكن روعتها ودقة مضمونها يشكل الهوية والشعور بالذات.. مرسى شخصية مختلفة عن كل رؤساء مصر السابقين.. فقد جاء من رحم الحركة الإسلامية بما تحتويه من قوة الخطاب والتحكم فى مفرداته والقدرة على صياغته صياغة سليمة. هو أيضًا من الحريصين على التعبد فى المساجد، لم يسبقه رئيس إلى ذلك. لأهمية الخطاب السياسى فى عالمنا العربى كانت ردود الفعل فورية على كلمة الرئيس مرسى، وهذا ما افتقدناه تمامًا منذ تولى الحكم حسنى مبارك، الذى لفت نظرى أن أول خطاب له تضمن حديثًا عن "الكوسة" وأتذكر أن الإذاعى الشهير إيهاب الأزهرى التقط تلك الكلمة من خطابه وتنبأ بها أن مبارك لن يكون خطيبًا مفوهًا مثل أسلافه، وأن ذلك سيكون من أسباب تشكيل الشخصية المصرية العالمية فى عصره، ذلك الخطاب الأول امتلأ بالأخطاء النحوية وعدم القدرة على القراءة السليمة، مع ملاحظة أن مبارك لم يكن يخرج سوى نادرًا عما هو مكتوب له، والخروج النادر كان مسخرة! قال أمس الكاتب اللبنانى الكبير غسان شربل فى صحيفة الحياة اللندنية "يمكن القول إن مرسى فاجأ أصحاب الدعوة حين ألقى قنبلته.. ليس بسيطاً أن يقف رئيس مصر ما بعد الثورة فى طهران ليعلن أن ما يجرى فى سوريا ثورة ضد نظام ظالم فقد شرعيته وإن الوقوف إلى جانب الشعب السورى «واجب أخلاقي». وليس بسيطاً أن يقول «إن الشعبين الفلسطينى والسورى يريدان الحرية والكرامة والعدالة». ولهذا الربط بين الشعبين رنة موجعة فى طهران ودمشق". يضيف شربل "خطف مرسى الأضواء وأفسد عرس الممانعة" ويستطرد "كشفت كلمة مرسى موقف مصر الحالية من المذبحة المفتوحة فى سوريا.. كشفت فى الوقت نفسه أن عودة العلاقات بين طهران والقاهرة لن تكون سهلة". على موقع تويتر جاءت ردود فعل الرأى العام العربى - لا سيما من النخبة – ماء منهمرًا كأنهم كانوا ينتظرون طويلاً أن تمطر عليهم السحابة المصرية.. وللعجب جاءتهم تلك السحابة عبر طهران وبترضية مرسى عن أسيادنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهى الترضية التى حذفتها الترجمة الفورية الفارسية من الخطاب ولم توردها. قال الداعية السعودى الشهير الدكتور سلمان العودة: "ليذهب كل رؤساء العرب إلى إيران إذا كانوا سيصدحون بالحق كما فعل الرئيس محمد مرسى".. واعتذر الداعية عبد العزيز المطيرى بقوله "السيد مرسى رئيس جمهورية مصر العربية أعتذر إليك حين هاجمت حضورك قمة عدم الانحياز، فلم أكن أتوقع منك هذا الوضوح فى الموقف تجاه سوريا". وتساءل الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه المشارك فى جامعة القصيم بالسعودية "هل سيسجل التاريخ أن أول من أظهر فى إيران الحديثة الترضى عن الخلفاء الراشدين بأسمائهم والصحابة أجمعين هو رئيس مصر". وأضاف "إظهار الترضى عن الصحابة أجمعين فى بلد ينشر فى الدنيا سبهم وتنقصهم أمر يستدعى الوقوف ولو كان مهرجانًا رياضيًا". وقال الدكتور وليد الطبطبائي، النائب فى مجلس الأمة الكويتى، فكتب "ماذا فعلت يا مرسى؟! لله درك يا زعيم.. خشينا أن يخيب ظننا بك لكنك أبيت إلا أن تكون عند حسن ظننا فيك عاش مرسى.. وعاشت مصر الثورة". هكذا كان وقع خطاب سياسى موفق لرئيس أكبر دولة عربية. [email protected]