قائمة الأبطال تضم 6 شهداء و"عبيد" ليس آخرهم ضابط مفرقعات: لا أخبر أسرتى عن المهمات.. 180 بلاغًا بوجود قنابل فى الشهر.. والبدلة لا تحمى الضابط "خرج ولم يعد".. تلك الكلمات غالبًا ما نسمعها فى حالة فقدان أحد الأشخاص عند الخروج من منزله، فما بالك بمن يجعلون من هذا الأمر وظيفة لهم، يخرجون من منازلهم وهم يحملون أراوحهم فوق أكتافهم، يودعون أسرهم توديع الميت كل يوم، أبناؤهم يفتقدونهم كل لحظة عند خروجهم، ولما لا؟ ونوعية عملهم تجعلهم عرضة للموت فى كل وقت وكل حين. هكذا حال خبراء وضباط المفرقعات، كل يوم فى حياتهم هم معرضون فيه للخطر، يواجهون أشرس الأسلحة وأفتكها على مستوى العالم بصدورهم لا يتراجعون أبدًا إلى الوراء. تقدم وتعامل دون تردد.. هكذا يكون فكر ضابط المفرقعات عند تلقيه بلاغًا للتعامل مع جسم غريب أو سيارة مفخخة أو كما حكى لنا البعض جثة مليئة بالقنابل. كل ما يدور داخل عقل ضابط المفرقعات هو شىء واحد، كيف يقضى على هذا الشر دون أن يصاب من حوله بأى أذى؟, نعم يفكر فيمن حوله فقط دون أن يذكر نفسه مرة واحدة فتلك وظيفته. من خلال تقريرنا نرصد حياة بعض ضباط المفرقعات ونتذكر سويًا من رحلوا منهم لكى يعيش الوطن، نراجع ذاكرة من نسميهم فى تقريرنا "صائدو القنابل". قائمة الأبطال بلغت حصيلة الشهداء من ضباط المفرقعات 6 شهداء، هم الرائد مصطفى عبيد والعقيد أحمد العشماوى والمقدم محمد لطفى والرائد محمد النبوى، والنقيب ضياء فتوح والنقيب محمود أبوطالب. عمليات إرهابية كثيرة، تصدى لها ضباط وخبراء الحماية المدنية، والمفرقعات تحديداً، واستشهد خلالها العديد منهم، كان آخرهم الشهيد الرائد مصطفى عبيد، الذى ضحى بحياته لينقذ الآلاف فى منطقة الهجانة بمدينة نصر، حيث توجه بسرعة للتعامل مع عبوة ناسفة، ولم تمر سوى لحظات حتى سُمع دوى انفجار، مُعلناً استشهاد الرائد مصطفى عبيد وإصابة 2 آخرين، من بينهما اللواء منتصر منصور مدير مفرقعات القاهرة، ليلحق الشهيد «عبيد» بقطار شهداء الوطن ويخلد اسمه بأحرف من نور فى سجل أبطال الداخلية. وقدمت إدارة المفرقعات العديد من الشهداء فى عمليات سابقة، كان أبرزهم الشهيدان العقيد أحمد العشماوى والمقدم محمد لطفى، من إدارة مفرقعات القاهرة، اللذان استشهدا فى 30 يونيو 2014 إثر تلقى غرفة عمليات الإدارة إخطاراً بالعثور على عدة عبوات ناسفة بمحيط قصر الاتحادية، وعلى الفور انتقل رجال المفرقعات تحت إشراف اللواء علاء عبدالظاهر، مدير إدارة مفرقعات القاهرة وقتها، إلى مسرح البلاغ، وما أن تم فحص البلاغ قام العقيد «العشماوى» بالتعامل مع عبوة ناسفة، فانفجرت أثناء تفكيكها واستُشهد على الفور، لكن رجال المفرقعات لم يتأثروا باستشهاد زميلهم، وقام المقدم محمد لطفى، خبير المفرقعات، بالتعامل مع عبوة أخرى عُثر عليها فى الجزيرة الوسطى أمام قصر الاتحادية، لتنفجر فيه أيضاً أثناء التعامل معها ليسقط شهيداً خلال نصف الساعة من استشهاد العقيد «العشماوى» وأسفر الانفجار أيضاً عن إصابة اللواء علاء عبدالظاهر. «لطفى» و«العشماوى» استشهدا أثناء تفكيك عبوة ناسفة فى محيط قصر الاتحادية.. و«النبوى» و«أبوطالب» ضحايا مواجهة الإرهاب فى سيناء.. و«عبيد» آخر شهداء الإدارة فى سبتمبر 2014، وأثناء قيام قوة من إدارة المفرقعات بشمال سيناء بقيادة الرائد محمد حلمى النبوى بتمشيط المنطقة للتأكد من عدم وجود عبوات ناسفة زرعها الإرهابيون على جانب الطريق، انفجرت إحداها فى المدرعة التى يستقلها الضابط و5 جنود، وأسفرت عن استشهادهم جميعاً. وفى 30 مارس 2014، وردت معلومات للأجهزة الأمنية بقيام مجموعة من العناصر التكفيرية التابعة لجماعة أنصار بيت المقدس، بتشكيل بؤرة إرهابية، واتخاذها من إحدى ورش تصنيع الأخشاب بقرية عرب شركس، التابعة لمركز قليوب بمحافظة القليوبية، مكانًا لاختبائها، وإخفاء المواد المتفجرة والأسلحة النارية وانطلاقاتها، لارتكاب العديد من الحوادث الإرهابية، وأثناء المداهمة استشهد العميد ماجد أحمد إبراهيم صالح، والعقيد ماجد أحمد كمال شاكر، خبيرا المفرقعات بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أثناء تفكيك بعض العبوات الناسفة التى زرعها الإرهابيون. وفى يناير 2015، تلقت غرفة عمليات إدارة المفرقعات إخطارًا بالعثور على عبوة ناسفة فى الطالبية، وعلى الفور انتقل النقيب ضياء فتوح، خبير المفرقعات، وتم العثور على عبوة ناسفة، وأثناء التعامل معها وتفكيكها انفجرت واستشهد فى الحال. وفى يناير 2018، زرعت العناصر الإرهابية عبوة ناسفة على جانب الطريق بقرية أبوحسين بمركز بئر العبد، وعلى الفور انتقل النقيب محمود عبدالعظيم أبوطالب 32 سنة بإدارة مفرقعات شمال سيناء، وأثناء التعامل مع العبوة الناسفة لتفكيكها وإبطال مفعولها انفجرت وأسفرت عن استشهاده. طرق التعامل مع القنبلة ويبدأ تدخل خبراء المفرقعات، بعد التأكد من وجود متفجرات، ليجرى التعامل معها بإحدى ثلاث طرق هى «الروبوت الآلى»، وفى هذه الطريقة يظل قائد الفريق فى السيارة، ويتعامل مع العبوة محل الاشتباه من خلال الروبوت على بعد 500 متر، حيث يتحرك «الروبوت»، ويهز العبوة ويفجرها بنفسه، وهذه الطريقة رغم أنها آمنة بالنسبة لضابط المفرقعات، لكنها غير مفضلة لدى أغلب الخبراء عالميًا، والذين يفضلون التعامل مع العبوة بشكل مباشر لكى يعرفوا ما بداخلها، لأن التعرف على ما بداخلها من مكونات يمكن فريق البحث من تحديد هوية الجناة. الطريقة الثانية، وهى طريقة «نصف الآلى»، وفيها يرتدى ضابط المفرقعات البدلة المخصصة لذلك، ويذهب بها للتعامل مع القنبلة. أما الطريقة الثالثة، فتعتمد على التعامل اليدوى عن طريق البكر والحبال، ودون استخدام الروبوت أو البدلة، والذى يحدد اختيار رجل المفرقعات لأى طريقة من هذه الطرق، هو عملية الكشف ونجاحها فى التشخيص السليم للعبوة الموجودة، ليس هذا فحسب، بل هذا التشخيص قد يجبر فريق التفتيش على التعامل مع العبوة فى نفس المكان دون نقلها لمكان آخر إذا كان تحريكها قد يتسبب فى انفجارها. أما إذا كانت عبوة زمنية فلابد من السرعة فى التعامل معها قبل أن تنفجر مهما كانت الخسائر، فى حين أنها لو كانت بالريموت كنترول، يتم على الفور التعامل معها بإخطار جهات البحث المرافقة لكى تبحث بسرعة عن الشخص، الذى فى يده هذا الريموت حتى لا يقوم بتفجيرها، وبالتالى تمثل عملية القبض عليه السيطرة على العبوة، وبناء عليه فإن عملية الكشف، تعد أهم مرحلة فى تحديد طبيعة التعامل مع العبوة الناسفة. شاهد على الحدث العقيد محمد نبيل عمر، ضابط الشرطة السابق وخبير المفرقعات، عايش سنوات الخطر بين أكثر البلاغات إثارة، قرر أن يتحدث عنها ليكشف فيها الجانب الخفى حول "الباحثين عن الموت". فى البداية، عرّف الضابط نفسه ومهنته قائلاً: إنه مفتش مفرقعات سابق "شهيد تحت الطلب"، كأى مفتش مفرقعات يعمل فى مهنة البحث عن الموت.. هى مهنة يفتخر بها أى شخص يرغب فى تقديم خدمة لبلاده، فى سبيل تأمين كل المرافق الحيوية والأشخاص. مضيفًا: "نحن لم نكن نرى النوم، ولم يكن أمامنا أى مبتغ غير تأمين المواطنين من الشرور التى يتعرض لها الوطن، ولمدة عامين متتاليين كنا نعمل تحت ضغوط نفسية، وأراد الله أن نعبر ونكون جزءًا من منظومة كبيرة تقوم على تأمين المواطن. 4 أقسام يواصل الضابط عمر حديثه شارحًا: إدارة الحماية المدنية لها أربعة أقسام، إطفاء، إنقاذ نهرى، وقاية، وقسم المفرقعات، وإدارة الحماية المدنية هى عمل إنسانى داخل وزارة الداخلية، وأفتخر أننى لما يقرب من 15 عامًا، عملت فى هذا المجال، بداية عملى بها كان فى مصلحة أمن الموانئ، وتدرجت للعمل داخل هذه المصلحة فى كل مطارات وموانئ مصر، وساهمت بقدر ما أنا وزملائى كضباط وأفراد فى تأمين البلد، ضد أخطار المفرقعات، كان أشرسها خلال الفترة الأخيرة، والتى كنت خلالها رئيسًا لقسم المفرقعات بالإسماعيلية. البدلة لا تحمى صاحبها ويكمل خبير المفرقعات حديثه عن بدلة رجل المفرقعات: أعتَبِر البدلة هى حاضنة لجثة خبير المفرقعات فى حال استشهاده، فالعبوة المتفجرة لو كانت تحوى نسبة متفجرات بداخلها أكثر من القوة التى تتحملها البدلة، فسوف يُستشهد رجل المفرقعات، لكن فائدة وجود البدلة هنا أننا سنجد جثة يُمكن دفنها، بدلاً من أن يتحول لأشلاء، لذلك رأيى دائمًا أن البدلة نوع من أنواع الإعاقة ولم أكن استخدمها فى المهام التى شاركت بها، لكن لاشك أنها تُمثل درجة حماية من الدرجات المطلوبة، كمعدة من المعدات، وحاليًا لدينا فى مصر "روبوت" أصبح متوفرًا على مستوى الجمهورية، رغم أنه كان عبئًا ماليًا على الاقتصاد المصرى. ويكمل ضابط المفرقعات، هناك الكثير منّا لم يكن بالقدر التدريبى الذى يضعه فى مجال يمُكِنه من التعامل، ففِرق التعامل تتحصل على خبراتها خارجيًا، من خلال السفر إلى أمريكا وألمانيا، والحصول على رخصة التعامل مع المفرقعات، وهذا هو التحدى الذى واجهنا كمفتشين مفرقعات، أن الكثير منّا لم يحصل على رخصة فِرق التعامل، لأننا حاصلون على فِرق كشف فقط، وكل الفِرق التى تعطى داخل مصر هى فِرق كشف، لذلك وُضِعنا فى تحد شرس، لذلك كنا كثيرًا نتناقل المعلومات ونُوثقها حول المأموريات التى نُشارك بها، ونتبادلها معًا حول كيفية التعامل مع العبوات والأشكال التى يتم تصنيعها، حتى أستطيع أن أنقل المعلومات لزملائى فى كافة المحافظات، وعلى ضوئها تمكنّا لمدة عامين أو أكثر أن نخوض هذه الحرب، رغم سقوط العديد من الشهداء والضحايا بيننا، ولكن استطعنا الصمود. الذهاب للموت يُجيب العقيد نبيل عمر، عن شعور رجل المفرقعات أثناء ذهابه للعمليات الخطيرة، قائلاً: مهنتنا هى مهنة البحث عن الموت، فلكم أن تتخيلوا هذا الإنسان الذى يضع فى اعتقاده النفسى أنه شهيد تحت الطلب، وفى الحقيقة كلنا كرجال أمن وضعنا أنفسنا أننا شهداء تحت الطلب، ورجل المفرقعات يذهب لمواجهة شىء مجهول بالنسبة له، ولديه اعتقاد بنسبة كبيرة بأن النجاة منه تكاد تكون صفرًا، وتعتمد على توفيق الله فى البداية، ثم إجراءات يتم اتخاذها فى المحيط، ومعدات يتم استخدامها. مواقف لا تنسى يذكر لنا عمر، عن أصعب المأموريات التى لا ينساها فى حياته العملية وفقدانه أقرب زملائه فى إحداهما: هناك مأموريتان خضتهما، لا يُمكن لأحساسى بهما أن يتلاشى، ولازالت أذكرهما جيدًا.. المأمورية الأولى، والتى سُمى قطاع الأمن المركزى على اسم أحد شهدائها، الشهيد النقيب أحمد وحيد، دارت أحداثها فى أرض الجمعيات بالإسماعيلية، وكانت بناءً على معلومة من الأمن الوطنى، وتحركنا فى حوالى الخامسة فجرًا، وكانت مأمورية خاطفة، يتقدمنا الأمن المركزى للتأمين، خاصة مع التبليغ عن وجود أفراد مشبوهين موجودين بالشقة المقدم بها البلاغ، وبمجرد حدوث الاقتحام حدث تعامل (إطلاق نار)، وكنت خلف النقيب أحمد وحيد، واستشهاده حدث أمامى، وكان الضابط الشهيد أول من تلقى الرصاص بمجرد كسر باب الشقة، ووقتها عثرنا على أسلحة منها "آربى جي" وأسلحة متنوعة، بالإضافة إلى أن تلك الشقة كانت تُشبه المعمل أو المصنع لإعداد العبوات الناسفة، لوجود كميات من النترات المستخدمة فى التفجيرات. المأمورية الثانية كما يقول العقيد محمد نبيل عمر كانت تسبق أحد الأعياد، فأطلق عليها اسم "العيدية" آنذاك ويعتبرها من أخطر العمليات التى شارك فيها وكانت شرق القناة، فى قرية الأبطال، حدث تعامل مع الشخص المطلوب القبض عليه، لاتباعه جماعة أنصار بيت المقدس، وبعد التعامل معه ومصرعه، كان يرتدى حزامًا ناسفًا، وفكرة التعامل مع الحزام الناسف لشخص متوف، ومفتاح التفجير كان قريبًا من التوصيل، كانت لها وقع غير طبيعى، على اعتبار عدم معرفتى لمدى التأثير الذى من الممكن أن يحدث، وفى حالة حدوث أى خطأ كان من الممكن وجود عمليات قتل. أحزمة ناسفة يضيف: هذه ليست المأمورية الوحيدة التى تم التعامل فيها مع العديد من الأحزمة الناسفة، فى الإسماعيلية، فكمية الأحزمة الناسفة التى تم التعامل معاها وكمية المصانع وخاصة فى منطقة أبو عطوة، كانت كبيرة، وكانت مصانع إعداد عبوات متفجرة، وتوزيعها على بورسعيد والشرقية، فكانت "مركزًا" لتوزيع المتفجرات، على طول خط القناة. ويتابع الحديث عن المأموريات المهمة التى شارك بها: حضرت ورفعت أثر التفجير الواقع فى مبنى المخابرات الحربية، ومعسكر الأمن المركزى أثناء خروج الضباط وبعض المجندين، وهو من التفجيرات القوية جدًا، والمواد التى استخدمت فى الواقعتين مواد قوية جدًا، كانت سيارات ملغمة وتم تفجير قطاع كبير من المبنى، عند معسكر الأمن المركزى، على طريق الإسماعيليةالقاهرة 2500بلاغ فى العام بلاغات كثيرة، كان يتلقاها قسم المفرقعات فى فترة قصيرة، يتحدث عنها قائلاً: من شدة المواجهات التى كنا نتلقاها خلال عامين عقب ثورة 30 يونيو، كان ما يقرب من حوالى 2500 بلاغ فى كل عام، أى بمتوسط 180 بلاغًا على مدار الشهر، منها السلبى، والإيجابى، وتمكنت من وضع إستراتيجية مع مدير إدارة الحماية المدنية بالإسماعيلية اللواء حسن الزينى آنذاك والزملاء، بعمل حملات توعية. الجندى المجهول.. عمليات كثيرة لم أكن أُخبِر أسرتى بتفاصيلها أُسّر ضباط الشرطة يدفعون ثمنًا باهظًا من أجل خدمة الوطن، فلحظات الرعب لا تنقطع، ووداع ضابطهم فى كل مرة يتوجه فيها إلى عمله، يعرفون جيدًا أنه قد يكون الوداع الأخير.. "هناك عمليات كثيرة لم أكن أُخبِر أسرتى بتفاصيلها" يتحدث الضابط عن حياته: كنت أخفى مهامى الخطرة عن أفراد أسرتى، وفى سنوات أقضى أكثرها بعيدًا عنهم. الأبناء ورثة الآباء وعلى الرغم من أن أبناء الضباط يُعانون كثيرًا من بُعد آباؤهم خلال فترة تواجدهم فى عملهم، مما يفقد هؤلاء الضباط حتى إمكانية المشاركة فى تربيتهم ولحظاتهم السعيدة، مما له الأثر السلبى على الأبناء والآباء، وتُلقى المسئولية على عاتق زوجات الضباط، إلا أن "أحمد" نجل العقيد محمد نبيل، فضلّ أن يُكمل مسيرة حياته كضابط شرطة، يتحدث الأب عنه قائلاً: أتمنى له ولزملائه كامل التوفيق فى استكمال المسيرة التى بدأتها قبل 25 عامًا، فى حفظ أمن مصر وشعبها.