جمال سلطان حادثة مقتل النقيب محمد عبد اللطيف مكي معاون مباحث قسم شرطة المرج يرحمه الله بقدر ما هي مؤلمة بقدر ما تكشف لنا عن تناقضات مدهشة في موقف الأجهزة الأمنية من تحديات الوطن وهمومه ، النقيب الفقيد ذهب من أجل إلقاء القبض على أحد البلطجية الذين يتاجرون في المخدرات علنا في منطقة المرج على أطراف القاهرة وهو المسجل خطر سعيد حامد رفاعي ، وما إن رآه المجرم حتى أمره ، تخيلوا ، أمر ضابط المباحث بعدم النزول من سيارة الشرطة وإلا أدبه بالرصاص ، فلما لم يأخذ النقيب محمد كلامه على محمل الجد وحاول النزول من السيارة اقترب منه القاتل ووضع المسدس في رأسه وأطلق عليه بكل برود طلقة فجرت رأسه وأخرجت مخه في مشهد مروع أمام جمع من الناس في شارع عبد الحميد عبد الحليم في العزبة البيضاء بالمرج ، هذا المجرم من الواضح أنه من النوعية بالغة الخطورة ، للدرجة التي يتعامل بها بمثل هذه العجرفة مع ضابط المباحث ، وإذا كان هذا سلوكه مع ضابط الشرطة فلكم أن تتخيلوا إجرامه وسطوته على المواطن العادي ، تقارير الداخلية المنشورة أفادت أن هذا الشخص من معتادي الإجرام ، وسبق ارتكابه أكثر من سبع جرائم سرقات ومخدرات ، وسبق اعتقاله فترات عديدة لخطورته ومع ذلك يتم في كل مرة الإفراج عنه ليهنأ بممارسة بلطجته على خلق الله وعلى المواطن العادي ، طالما أنه لا يشتغل بالسياسة ولا يهدد الحزب الحاكم ولا ينغص على رئيس أو وزير ، رغم أن السيد الرئيس طالما أكد لنا أن قانون الطوارئ إنما صدر لمواجهة تجار المخدرات والبلطجة ، بالمقابل هناك عدة آلاف من المواطنين الأبرياء أخذوا بالشبهة لأنهم يمارسون السياسة من خلال الانتماء إلى جماعات دينية معارضة أو حتى الالتزام الديني العادي ، لم يرتكب أي منهم أي جريمة على الإطلاق ، وإنما الأجهزة تخشى ، أنه ربما ، ومن المحتمل ، أن يشارك في عمل عدائي ، وبالتالي تم القبض عليه وإلقائه في السجن عشر سنوات أو أكثر ، بعضهم وصل الآن إلى سبعة عشر عاما في المعتقل بدون محاكمة وبدون قضية ، تخيلوا ، وأرجو أن يقاس وضع مثل هذا الشاب البائس الذي أصبح اليوم كهلا أو عجوزا بعد سنين الاعتقال الطويلة داخل جدران زنزانة مترين في متر ، وبين وضع ذلك المجرم العتيد الذي ارتكب بالفعل العديد من الجرائم وتعلم الداخلية بالفعل أنه لو خرج فسوف يمارس إجرامه على المواطنين فيتم الإفراج عنه سريعا ، رحمة بأهله ربما ، أو نوعا من طيبة قلب معالي الوزير ، ويسأل الناس بعد ذلك عن سبب انتشار البلطجة في شوارع مصر بصورة لا سابق لها في تاريخها كله ، حتى في العصر المملوكي ، إن الأمن في بر مصر ليس مهموما بأمن المواطن وإنما بأمن السلطان ، وليست قضيته توفير الحماية للشعب وإنما لنظام الرئيس ، وعلى هذا المقياس يتم تحديد السلوك الأمني وما يتبعه من إجراءات قضائية تبدأ من أول مذكرة رجل الأمن وتنتهي بالسجون أو المعتقلات ، من بين أكثر من ألفي شاب ممن أفرجت عنهم الداخلية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لم يحدث أن ارتكب أحد منهم حتى مخالفة مرور ، ومع ذلك يتم الحذر والامتناع عن الإفراج عن الآلاف الأخرى الملقاة في أقبية السجون بدون جريمة وبدون قضية وبدون ضمير ، بينما يتم الإفراج سريعا عن معتادي الإجرام ، ولا تخجل بيانات الداخلية من الاعتراف بأنهم ارتكبوا العديد من الجرائم ، والتي اضطرتها في النهاية ، وبعد أن فاض كيل الناس ، وراجت اتهامات بالرشوة أو خلافه ، للتعامل مع المجرم ، يرحم الله فقيدنا جميعا النقيب محمد مكي ، ويرحم معه شعب مصر وآلاف الأسر المسكينة البائسة التي تستقبل بعد غد العيد رقم عشرين بدون أن تهنأ بالأب أو الأخ أو الإبن أو الزوج ، المعتقل بدون معنى . [email protected]