ما إن قامت القوات المسلحة المصرية، لأول مرة منذ عام 1967، بنشر دباباتها وقواتها فى سيناء بالقرب من الحدود الدولية مع فلسطين، التى يسمونها الآن إسرائيل، حتى توالت الأخبار والأنباء المتضاربة عن ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية: • فدعا وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان إلى عدم السكوت على إدخال مصر طائرات ودبابات ومعدات عسكرية ثقيلة إلى سيناء دون التنسيق مع إسرائيل، معتبرًا ذلك خرقًا مصريًا لمعاهدة كامب ديفيد، ويصرح أن على إسرائيل أن تتعامل بحزم مع الانتهاكات المصرية لمعاهدة السلام. • وقام نتنياهو من ناحية أخرى بتوجيه رسالة شديدة اللهجة لمصر يطالبها فيها بسحب الدبابات من سيناء فورًا وفقا لما نقلته صحيفة معاريف الإسرائيلية التى ذكرت أيضا أن التنسيق الذى كان يتم فى الماضى بين جيشى الدولتين ومؤسستيهما العسكريتين تضرر كثيراً فى الآونة الأخيرة، الأمر الذى دفع الإسرائيليين إلى المطالبة بالتدخل الأمريكى. • كما دبت خلافات بين وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك، الذى يعارض التحركات العسكرية المصرية بسيناء وبين قيادات بالجيش الإسرائيلى، الذين يرونها فى صالح إسرائيل. • وأعلن راديو إسرائيل فى 21 أغسطس أن مصر تنتهك معاهدة السلام بإدخالها طائرات مقاتلة ودبابات لسيناء دون تنسيق معنا. • وعبر رون بن يشاى كبير معلقى يديعوت أحرنوت أن قرار مرسى بتخفيض مستوى التنسيق الأمنى مع إسرائيل إلى أضيق نطاق أخطر من إدخال الدبابات إلى سيناء • أما عن موقف الإدارة الأمريكية فعبرت عنه فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، التى صرحت بأن مصر تعمل الآن بجد لهزيمة الإرهاب، وأن الولاياتالمتحدة تدعم هذه الجهود، مع التأكيد على ضرورة أن تقوم مصر بتنسيق عملياتها مع إسرائيل. • بينما انتقد دنيس روس، المستشار السابق لأوباما لشئون الشرق الأوسط، قيام الرئيس المصرى محمد مرسى بإرسال قوات عسكرية مدرعة إلى سيناء دون إبلاغ إسرائيل مسبقًا بذلك، حسبما تقتضيه معاهدة السلام. • وتقوم قوات متعددة الجنسية، التى تراقبنا فى سيناء، وفقا لبعض وكالات الأنباء، بتسجيل مخالفة على مصر لبنود الملحق العسكرى لكامب ديفيد، والتى قد تؤدى إلى فرض غرامات مالية علينا قد تصل إلى ملايين الدولارات. • أما على الجانب المصرى فتضاربت الأنباء بدءًا من نفى المتحدث باسم الرئاسة أن إسرائيل طالبت بسحب الدبابات المصرية من سيناء وتأكيده أننا لا نستأذن أحدًا فى الحفاظ على أمننا. • ومرورا بتصريح أحد المصادر العسكرية المصرية لبعض وكالات الأنباء أن اللقاءات والمفاوضات المصرية الإسرائيلية بهذا الشأن قائمة على قدم وساق، والتى تتم عند معبر كرم أبو سالم وأن إسرائيل رغم تخوفاتها من وجود القوات المصرية إلا أنها متفهمة لموقف مصر تمامًا فى حربها ضد الإرهاب. • وفى 24 أغسطس نقلت كل وسائل الأنباء خبرا مفاده أن وزير الدفاع المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى قد أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الإسرائيلى إيهود باراك، أكد خلاله التزام بلاده اتفاقية السلام، كما طمأن نظيره الإسرائيلى إزاء طبيعة ما يجرى فى سيناء، وأكد حصول تفاهمات بين القاهرة وتل أبيب فى شأن العمليات العسكرية، التى تستهدف مسلحين فى سيناء. *** وهكذا نجد أنفسنا أمام حملة إسرائيلية أمريكية مبكرة ضد بقاء القوات المصرية فى سيناء بعد الانتهاء من مهمتها والإجهاض المبكر لأى مطالبات مصرية مستقبلية بزيادة دائمة لقواتها فى سيناء بالتعديل للملحق العسكرى من المعاهدة. *** وهو وضع لم يعد لائقًا ولا مقبولا، وضع تجريد مصر من حق الدفاع عن أرضها ثم إغراقها بسيل من الضغوط والتهديدات كلما أرادت أن تخطو خطوة فى اتجاه أمنها أو سيادتها. والرد الوحيد الصحيح الآن هو بقاء هذه القوات بعد انتهاء عملية التمشيط والتطهير، لفرض واسترداد السيادة المهدورة فى سيناء، بالإضافة إلى ضمان عدم عودة الاختراق الصهيونى أو الإرهابى أو الصهيونى الإرهابى المشترك مرة أخرى لجزء عزيز من أرضنا.. مع الإصرار على تعديل المعاهدة فى شقها العسكرى بما يحرر مصر من القيود المفروضة عليها، ويطلق يدها فى الانتشار والتسليح فى سيناء وفقًا لضرورات الأمن القومى المصرى، وليس أمن إسرائيل. وهو ما سيمثل أول اختبار حقيقى للصلابة الوطنية للنظام الجديد وصموده أمام الضغوط الخارجية، التى لن تتوقف أبدًا، ومدى انتهاجه لسياسات وتوجهات سيادية على النقيض من سياسات نظام مبارك. وهو فى ذلك سيحتاج إلى كل أنواع الدعم السياسى والشعبى، فبدونها قد تضعف وتنكسر إرادة المفاوض المصرى فى مواجهة الضغوط الخارجية المتوقعة. أما الانصياع، لا قدر الله، للضغوط الإسرائيلية وإعادة قواتنا مرة أخرى إلى غرب القناة، فسيمثل ضربة كبيرة لشرعية النظام الحاكم الجديد، وسيتسبب فى جرح بالغ للكرامة الوطنية. كما أن إسرائيل، من ناحية أخرى، قد دأبت على انتهاك ومخالفة المعاهدة عشرات المرات، بل ودأبت على انتهاك كل المواثيق الدولية باعتداءاتها وحروبها العدوانية المتعددة والمتتالية على فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس والسودان، على امتداد عقود طويلة. ناهيك عن أن قيام الكيان الصهيونى ذاته المسمى ب (إسرائيل)، هو أكبر انتهاك لكل المعانى والقيم الإنسانية والوطنية فى العصر الحديث، هذا الكيان الاستعمارى التوسعى الاستيطانى العنصرى، الذى قام على ابادة ونفى وطرد شعب كامل من أرضه ليحل محله مهاجرين أجانب من روسيا وبولندا وشتى بلدان العالم. [email protected]