أمه: حكى لى عن الواقعة.. وطلبت منه يخلى باله من نفسه.. وصديق له: «اللى شعرت بيه أمه حصل» غادر الصيدلي أحمد طه إلى السعودية، للعمل في مكان يمنحه أجرًا لا يتحصل عليه في بلده، حتى يتمكن من تحقيق حلمه، ويعود لكي يقوم بتجهيز نفسه ويتمكن من الزواج.. لكنه بدلاً من أن يعود للاحتفال بالزفاف عاد في نعش بعد أن انهال عليه سعودي بالطعن بسبب سجال كلامي بينهما معه داخل الصيدلية، ودفع حياته ثمنًا للتمسك بقيم ومبادئ. ما أقساه من شعور حين تسمع الأم التي تنتظر خبر رجوع ابنها، وتقوم باحتضانه، وتتحسس بيديها وجهه, أن تسمع أن ابنها قد فارق الحياة ولن تتمكن من رؤيته إلا مرة واحدة، وهي نظرة الوداع الأخيرة قبل دخول قبره لتكون اللحظة التي لا تتمكن من نسيانها مدى الحياة. بصوت منكسر، تتحدث والدة الصيدلي الذي قتل على يد أحد المواطنين السعوديين بصيدلية كان يعمل بها في مدينة جازان السعودية، قائلة: "ابني كان مسافر يجهز نفسه عشان يرجع يتجوز.. يرجع مقتول.. ومليش غيره". حلم الصيدلي، صاحب ال28 عامًا، كاد أن يتحقق لولا أن الجاني كان أسبق للانقضاض عليه، حيث كان قد اقترب موعد عودته لكي يخطب ويستقر في بلده بعد غربة دامت 4 سنوات؛ لإعالة أسرته التي تتكون من أب مريض، وأخت، ووالدته التي كانت تجهز لاستقبال ابنها، والإعداد لحفل خطوبته. تتذكر الأم آخر مكالمة مع ابنها قبل قتله بيوم واحد، "اتصلت بأحمد قبل الحادثة بيوم للاطمئنان عليه، وسألته عن أحواله في ظل ظروف الطقس السيئ والسيول". وتتابع حديثها ل"المصريون"، "علمت بحكاية المواطن السعودي الذي أراد إعادة حفاضات اشتراها من الصيدلية ولكن بدون فاتورة، وهو ما رفضه "أحمد"، وكان سبب قتله غدرًا وظلمًا"، متابعة: "ابني حكالي عن كل حاجة وقالي كان في رجل سعودي اشتري حفاضات أطفال، وكان عايز يرجعها من غير فاتورة، أنا رفضت، وقلت له ممنوع لازم فاتورة أنا تحت أمرك، وانتهى النقاش لحد هنا". واستطردت الأم: "المواطن السعودي عاد للصيدلية في اليوم الثاني ومعه الفاتورة وقام ابني باسترجاع البضاعة، ولكن في نهاية الحديث وجه المواطن تهديدات لابني، وهو اعتبرها لحظة عصبية لكن أنا حذرته، وطلبت منه أنه يخلي باله من نفسه". وواصلت والدة الضحية قائلة: "تاني يوم جالي اتصال من السعودية بإبلاغي بنقل أحمد إلي العناية المركزة بسبب تعرضه للطعن من مواطن سعودي، وبعدها جاءت الطامة الكبرى فور علمي بخبر وفاته". وتصمت الأم لحظات قليلة وتكمل حديثها، واصفة نجلها بحسن الخلق والتدين وحسن المعاملة مع زملائه في العمل، قائلة: "جميع الناس بتشكر فيه وأجمعوا على حسن خلق ابني أحمد من أصدقائه الصيادلة، ومن مديره السعودي صاحب سلسلة الصيدليات التي كان يعمل بها". وتتابع والدة الضحية، روايتها، مؤكدة أن القاتل ليس مختلًا عقليًا كما أُشيع بدليل تخطيطه لعملية القتل، لافتةً إلى أن المواطن السعودي لم يقُم بعملية القتل في نفس اليوم، ولكنه أتى في يوم كانت فيه الصيدلية هادئة حتى يتسنى له تنفيذ عملية القتل، واصفةً العملية بأنها حدثت مع سبق الإصرار والترصد. وأشارت والدة أحمد إلى أن وزيرة الهجرة أتت إليهم، وتحدثت مع السفير المصري في السعودية، الذي أكد لها، أن السفارة قدمت مذكرة إلى جهة التحقيق السعودية، مضمونها أن القاتل ليس مختلًا عقليًا، وأن الجثمان سيصل بعد عدة أيام عقب انتهاء الإجراءات. وعن تواصل أحد المسئولين بوزارة الخارجية مع أسرة الضحية، نفت الأم ذلك، موضحة أن آخر تطورات قضية ابنها تصلهم عن طريق المواقع والتليفزيون، معقبة: "نحن نريد جهة رسمية للتواصل معها لكي نصل إلى نتائج حقيقة لكي نتأكد من أن حق ابننا سيرجع". واختتمت الأم، حديثها، مناشدة الرئيس عبد الفتاح السيسي، سرعة التحقيق في القضية وإعادة حق نجلها من مرتكب الواقعة: "بطالب الرئيس برجوع حق أحمد وهو القصاص العاجل من المتهم.. أحمد مش ابننا لوحدنا يا سيادة الريس ده ابن مصر كلها كان بيكافح في حياته وسافر عشان يصرف علينا وعلى والده المريض.. اتهان واتقتل غدر عشان كان نفسه يعيش عيشة محترمة وكويسة زي اللي بيحلم بيها نفس شباب جيله.. مكنش يعرف أن الدم المصري رخيص في أي بلد غير بلده.. حسبنا الله ونعم الوكيل". في السياق، تواصلت "المصريون"، مع أحد أصدقاء العمل المقربين من الصيدلي المصري المقتول، عبر تقنية "واتس أب"؛ لمعرفة التفاصيل الكاملة للجريمة، واللحظات الأخيرة في حياة المجني عليه. يبدأ "م.ج"، حديثه ل"المصريون"، راويًا تفاصيل الواقعة التي بدأت عندما دخل شاب سعودي إلى مقر الصيدلية التي يعمل بها الضحية في جازان، قبل يوم من الحادث، وطالبه بإرجاع بعض الأدوية وعبوات حفاضات أطفال، وعندما طلب منه الصيدلي الضحية فاتورة الشراء بهدف إعادة المبيعات إلى الصيدلية، أخبره الجاني بعدم وجود فاتورة معه، ورفض الصيدلي الاستجابة لمطلبه. وأضاف أن هذا الأمر أثار غضب الجاني، وتطاول على الصيدلي بالسب بألفاظ خارجة مما نتج عنه وقوع مشاجرة بين الاثنين، وتبادلا بعدها اللكمات، وغادر المواطن السعودي وفي اعتقادنا انتهاء الأمر عند ذلك الحد، حسب قوله. ويستطرد صديق الضحية، وشاهد عيان على الواقعة أيضًا ل"المصريون": "مساء ذات الليلة تواصل أحمد مع والدته ووالده في مصر مثل عادته اليومية للاطمئنان عليهما، وأخبر والدته بالواقعة، ونصحته بأن يبعد عن التورط في مشكلات؛ خوفًا عليه من أي مكروه". "اللي أمة حست بيه حصل تاني يوم".. هكذا أكمل صديق الضحية حديثه, مؤكدًا أن الجاني حضر في اليوم التالي حاملًا سكينًا ودخل إلى الصيدلية، وبادر الشاب الصيدلي ب7 طعنات في أماكن متفرقة في جسده، في الصدر والرجل والرقبة، ومنها طعنة نافذة استقرت في القلب، وفي محاولة يائسة من أصدقاء الصيدلي المصري، نقلوه إلى مستشفى "العميس" بجازان، ولم يكن بها استشاري قلب، وقاموا باستدعاء طبيب من مستشفى آخر على أمل إغاثة الضحية، لكنه لم يحضر بسبب حالة أخرى لطفلة، فعاد إلى مقر عمله، ولم يحضر لإغاثة الصيدلي.