في ظاهر الامر لا توجد اي علاقة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية اذربيجان، احدي جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا. الاولي دولة عريقة عمرها سبعة آلاف سنة، والثانية ظهرت للوجود لفترة عامين فقط بعد الحرب العالمية الاولي قبل ان تعاود روسيا احتلالها ودمجها فيما عرف فيما بعد بالاتحاد السوفييتي الذي استقلت عنه مرة اخري عام 1991. الاولي تقع في الشرق الاوسط وهي دولة كبيرة الحجم وعدد السكان والوزن، اما الثانية فتقع في القوقاز ويبلغ عدد سكانها عشر سكان مصر، ومساحتها تقرب من ذلك. وهناك تباينات كثيرة في المناخ والاقتصاد والعادات والتاريخ. الذي يجمع بين مصر واذربيجان هو كون غالبية سكان البلدين مسلمين، وان كلاهما تعقدان هذه الايام انتخابات برلمانية من المؤكد ان يفوز فيها الحزب الحاكم بغالبية المقاعد، وان نظام الحكم في البلدين واشخاصه لم يتغيرا منذ اكثر من اربعة عقود، وان رئيس الجمهورية سلم الحكم لابنه في الثانية وينتظر ان يحدث الشيء نفسه في الاولي. التكتيكات التي يتبعها النظامان لفرض حكمهما وضمان استمراريته تكاد تكون متطابقة، مع العلم بان زعماء البلدين لم يلتقيا، ولم نسمع بزيارات متبادلة ولا تنسيق بينهما، ولكن النظامان يقرآن كما يبدو من كتاب واحد. في كلا البلدين تحظر الحكومة علي المعارضة التظاهر والتجمهر وتنظيم اللقاءات الجماهيرية، وتعتقل المعارضين وتلفق لهم التهم. وكلا النظامين متهم بتزوير الانتخابات والتلاعب فيها، واستخدام مؤسسات الدولة لصالح الحزب الحاكم. وكلا النظامين يجد دعما من الخارج لاستمراريته بدعوي المحافظة علي الاستقرار في بلد استراتيجي . خذ مثلا موقف حكومة اذربيجان من رسول غولييف، ابرز زعماء المعارضة، فقد اتهم باختلاس مبلغ 117 مليون دولار حينما كان رئيسا للبرلمان في ايام والد الرئيس الحالي، واجبر علي المقام في المنفي في الولاياتالمتحدة. وفي الشهر الماضي قرر غولييف وهو زعيم الحزب الديمقراطي، اكبر احزاب المعارضة، العودة للبلاد للمشاركة في الانتخابات السياسية. الحكومة من جانبها نشرت الشرطة والجيش علي كافة الطرقات المؤدية للمطار لمنع انصار الزعيم المعارض من تنظيم استقبال جماهيري له، ثم قامت بمنع طائرته من الهبوط في مطار باكو.. وحين هبطت الطائرة في كييف عاصمة اوكرانيا المجاورة، تم اعتقاله بموجب مذكرة دولية بتهمة الاختلاس. خلال الشهر نفسه قامت الشرطة بضرب واعتقال نشطاء المعارضة الذين حاولوا التجمهر للتعبير عن آرائهم، بل ان مجرد لبس اي ملابس او وجود اشارة برتقالية (وهو تقليد اقتبسته المعارضة من اوكرانيا) اصبح يعرض المواطن للاعتقال الفوري ونزع الشارة او الملابس عنه. وامعانا في الترهيبب نظمت الحكومة محاكمات لزعماء معارضين كانوا اعتقلوا لانهم تظاهروا قبل اكثر من عام ضد انتخاب الرئيس الحالي الهام علييف خلفا لوالده حيدر علييف ذي الثمانين عاما الذي كان المرض أقعده قبل ان يتوفي العام الماضي. وقد حكم علي المعارضين الذين تظاهروا ضد ما وصفوه بالتزوير في الانتخابات بأحكام وصلت الي السجن خمس سنوات. وعشية الانتخابات الحالية التي انعقدت خلال عطلة نهاية الاسبوع المنصرمة، داهمت الشرطة مكتب فرمان جوادوف مدير الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي بدعوي التفتيش عن اسلحة مخبأة فيه، وحينما لم تجد الاسلحة اعتقلت جوادوف بتهمة مقاومة الشرطة إعاقتها عن تنفيذ عملها. ومكث جوادوف في السجن ثلاثة ايام قبل ان تقضي محكمة باطلاق سراحه، ولكن الحملة الانتخابية كانت قد انتهت. جبهة الحرية التي ضمت تحالف احزاب المعارضة اشتكت من مخالفات عديدة في الانتخابات، فالقوائم الانتخابية اسقطت اسماء اعداد كبيرة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، فيما ازدحمت باسماء اشخاص موتي او مقيمين بالخارج او في الخدمة العسكرية. صور الرئيس ووالده زينت المكاتب الانتخابية، في محاولة واضحة للتأثير، بينما تمت ممارسة الضغط والابتزاز ضد الناخبين، خاصة في المناطق الريفية. وكما هو متوقع فان الحزب الحاكم (حزب اذربيجان اولا) فاز هو وحلفاؤه بغالبية مقاعد البرلمان المائة والخمسة والعشرين، بينما فاز التحالف المعارض باقل من عشرة مقاعد وسقط معظم قادة الاحزاب المشاركة في التحالف المعارض في دوائرهم الانتخابية. المعارضون بالطبع لم يصدقوا ان هذه النتيجة تعني انهم يفتقدون كل سند جماهيري، ودعوا أنصارهم للتظاهر ضد ما وصفوه بالتزوير. الحكومة من جانبها هددت بردة فعل حازمة ضد مثيري الفوضي وهو امر يدعو للتساؤل، اذ لو كانت النتائج حقيقية كما تدعي الحكومة وتؤيدها في ذلك اصوات خارجة تزعم ان المعارضة تفتقد السند الجماهيري الا يكون من الحكمة السماح للمعارضين بالتظاهر حتي ينكشفوا امام العالم وتنفضح شعبيتهم المتدنية، وبالتالي قطع حجة معارضي الحكومة؟ مهما يكن فان التوازي بين ما يحدث في اذربيجان وما تشهده مصر من تطورات سياسية يثير اكثر من علامة استفهام، الزعيم الاذري السابق حيدر علييف كان رئيس جهاز المخابرات السوفييتية (الكي جي بي) في اذربيجان قبل ان يصبح امين الحزب الشيوعي في الجمهورية عام 1968 وكان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي حتي عام 1987. وقد عاد الي الحكم في منتصف التسعينات في ظل الفوضي التي اجتاحت البلاد وهزيمتها امام ارمينيا في الحرب حول اقليم ناغورنو كاراباخ علييف الشيوعي العريق قاد البلاد نحو تحول رأسمالي واقام علاقات حميمة مع الولاياتالمتحدة التي مات في احد مستشفياتها بعد ان ورث الحكم لابنه. في الحالين نجد الشعب مغيبا تماما في ظروف تتعرض فيها البلاد لهزيمة علي يد دولة مجاورة اصغر حجما، تتعرض فيها البلاد لهزيمة علي يد دولة مجاورة اصغر حجما، ويتم تحويل الولاء من الشرق الي الغرب، والنظام من اشتراكي ثوري الي رأسمالي تبعي دون ان يتم تغيير المسؤول الاول. اذربيجان تواجه نفسه مشاكل جاراتها ذات الغالبية المسلمة مثل كازاخستان وتركمانستان واوزبكستان وهي دول تعيش كلها حالة من الدكتاتورية المزمنة والركود السياسي والقمع الوحشي، في جو من اللامبالاة بل والتواطؤ الدولي، وبالمقابل نجد جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة مثل أوكرانيا وجورجيا وجمهوريات البلطيق كلها حققت تقدما سياسيا واقتصاديا، بل ان بعضها انضم الي الاتحاد الاوروبي. الذي يستنتج من هذا ان هناك تقاربا بين الدول الاسلامية في تطورها السياسي، رغم اختلاف مشاربها وتاريخها واوضاعها الاقتصادية، وتباعدا بين تلك الدول، والدول المشابهة لها في التاريخ والظروف الاقتصادية والاجتماعية. كل هذا يعيدنا الي السؤال المحوري: هل لاشتراك الدول المعنية في العقيدة الاسلامية دور في هذا التقارب المدهش؟ بمعني آخر، هل الامر هو علي العكس تماما من الشعار المعروف الذي تطرحه حركة الاخوان المسلمين الاسلام هو الحل وان التعبير الاصح هو الاسلام هو المشكلة ؟ اول اعتراض علي هذه النقطة يأتي من الاشارة الي ان الطبقات السياسية المهيمنة في البلدان المعنية لا تجعل التمسك بالعقيدة الاسلامية من ضمن اهدافها، بل بالعكس هي تحارب كل من يدعو الي ذلك. بل ان موقع وزارة الخارجية الاذرية علي الانترنت يرفض حتي ان يذكر الاسلام بالاسم وهو يتحدث عن الدين في البلاد، فتحت عنوان الدين في بند المعلومات العامة عن البلاد، تكتفي الوزارة بالقول ان الدين مفصول تماما عن الدولة، وكل الاديان تعامل علي قدم المساواة دون ان تذكر ما هي الاديان وايها هو دين الغالبية. واذا كانت العقيدة الاسلامية بريئة من جرائر هؤلاء، الا يمكن ان يقال ان التراث الاسلامي والتاريخ الاسلامي والموروث منه تتحمل المسؤولية؟ هل يكون التراث الطويل من السلبية والتواكل هو الذي جعل الجماهير في الدول الاسلامية تستكين للاستبداد، في حين تهب الجماهير في الدول الاخري ضد جلاديها؟ هنا ايضا تثور اعتراضات اخري، حيث هناك نماذج كثيرة لدول مسلمة شهدت انتفاضات ديمقراطية، ابرزها اندونيسيا. وهناك دول مسلمة اخري شهدت ديمقراطيات مستقرة مثل ماليزيا وبنغلادش ومالي والسنغال وغيرها. اذن من اين تأتي المشكلة، ولماذا تقتصر علي المسلمين وحدهم وتشمل قطاعات واسعة منهم؟ هناك شعار يتسخدمه البريد الامريكي، وهو شعار مقتبس من المؤرخ الاغريقي هيرودوتس الذي نقله بدوره عن الفرس، يقول الشعار: انه لا المطر ولا الثلج ولا عتمة الليل بإمكانها ان تمنع رسل البريد السراع هؤلاء من اكمال مهامهم الموكلة اليهم . أحد المعلقين الساخرين قال وهو يقرأ الشعار: فأين اذن تكمن المسؤولية في تأخر البريد المستمر؟ . نحن بدورنا نطرح نفس السؤال، فاذا لم تكن عقيدة المسلمين ولا تراثهم ولا هويتهم هي المسؤولة عما هم فيه من حال يشمت له الاعداء ويحزن الاولياء؟ نكتفي هنا بطرح السؤال لا غير. --------------------------------------------------------------- القدس العربي