أخيراً سنغزو بنوك سويسرا ونفتح خزائنها ونسترد أنهار دمائنا التي مصها المهربون وحولوها إلي هناك. حيث وصلت أرقام الأموال المهربة إلي سويسرا وغيرها حوالي 150 مليار دولار علي أقل تقدير. أخيراً الأيادي النظيفة البيضاء سوف يكون لها مكان فوق الأيادي القذرة التي عبثت بمقدرات الشعب المصري الطيب ودمرت قصور أحلامه من أجل أن تبني صروحها وعروشها وكروشها! صحيح أول الغيث قافلة تم إرسالها لأول مرة كي تسترد بعض الأموال المهربة إلي سويسرا.. لكنها في النهاية بارقة أمل جديد لمرحلة الإصلاح الحقيقي وبناء دولة المستقبل بدعائم وأعمدة نظيفة تجعلنا نصدق أننا بالفعل بدأنا أولي خطوات تعقب الفساد وضربه في مقتل بعد أن يئسنا من الشعارات البراقة. وصدقنا أن النظافة والطهارة والأمانة والشفافية مجرد كلام "طق حنك" ورغاوي صابون تذهب جفاء وأن ما يمكث في الأرض وتمتد جذوره إلي سابع عمق هو الفساد والهمبكة والهرتلة والضحك علي الذقون! فالشعارات التي أصبحنا نؤمن بها وتذبح القيم في محرابها وصارت تمارس "عيني عينك" في كل مكان وعلي مدي ساعات الليل والنهار هي:- اغسل يديك قبل الهبر وبعده.. انهب.. اسرق.. تاجر في العملة.. في المخدرات.. في السلاح.. في عرق النساء.. في كنوز الآثار.. افعل ما شئت. فلن تدان. ولن يتعقبك أحد.. بل ستمشي في مناكبها. وتبتلع كل رزقها ويضرب لك الجميع تعظيم سلام! كان المهم والمتبع هو أن تغسل يديك من الإثم وأن تطهر ثوبك من الدنس.. وسمعتك من كل شائبة.. بعدها ستصبح صحيفة فيشك بيضاء من غير سوء.. ستمسك الدنيا بيمينك وتشير بإصبع صغير في يدك اليسري لتقول لكل شيء في مؤسسات الدولة كن فيكون.. فأنت المستثمر المنتظر الذي جاء علي حصان الاقتصاد الأسود كي تنقذنا من عثرتنا وتضعنا علي أول طريق الرخاء والعز والوفرة. اقتنعنا بأننا معك ومع كل رفقاء السوء أمثالك من شلة اللصوص والحرامية بأن الدنيا معكم "مزهزهة".. ألوانها مزركشة رقيقة حانية. تفتح لكل المصريين أحضانها الدافئة. ليجد كل مواطن لنفسه مكاناً بارزاً في قرص الضوء وبعد أن تهبر هبرتك وتخبط خبطتك وتنتهي من مهمتك الدنيئة وتغسل كل أموالك وتقترض من البنوك أضعافها بدون أي ضمانات تخلع رداءك الذي نظقته في مغسلة الوطن الكبري وتهرب علي أول طائرة تاركاً جدران مشروعاتك الوهمية. أو تواصل تمثيليتك وتستمر في الضحك علي ذقوننا وترسل كل أموالك المغسولة إلي بنوك سويسرا في الحفظ والصون! كان هذا هو النموذج لآلاف المخلوقات الغريبة التي هبطت علينا من كوكب الهبش وأسمت نفسها رجال أعمال. فصدقناهم بعد أن صدقتهم كل أجهزة الدولة رغم الكعب الدائر الذي مروا علي حلقاته الكثيرة من أجل اعتماد مشروعاتهم والموافقة علي أفكارهم الجهنمية! النتيجة أن بنوك سويسرا ومصارف دول كثيرة أصيبت بالتخمة من أموال المصريين وحدهم. لدرجة أن المسئولين بها كلما اطلعوا علي تلك الحسابات صنفونا علي أننا أغني شعوب الأرض. وأبدوا دهشتهم من كل ما يقال عن أن مصر بلد نامية علي "قد حالها". فالاقتصاد الذي يفيض عنه كل هذا الخير إنما هو منتعش ومتين. يعيش أهله في القصور. يأكلون الكافيار والأوزي. ويتمرغون فوق الحرير! وهم بالقطع معذورون. لأنهم لا يعرفون أن تلك الثروات والحسابات المتخمة هي لأناس يعيشون ويعومون علي "وش الفتة" بينما الغالبية العظمي من السكان يكملون عشاءهم نوماً ويسألون الله في "حق النشوق"!! والحكاية أن مصر قد وقعت مؤخراً أول اتفاقية تعاون قضائي لسويسرا مع بلد عربي في السابع من أكتوبر الماضي.. تقضي الاتفاقية بالسماح في إطار إجراءات جنائية بالاستفادة من الشهود من البلد الآخر وفرض حجز علي الحسابات والوثائق البنكية وغيرها من الإجراءات والبيانات الضرورية في التحريات القضائية والتي يمكن تقديمها كدلائل إثبات. من ناحية أخري تم سفر وفد قضائي مصري إلي سويسرا لاسترداد الأموال المهربة للخارج. بعض المنادين بحقوق الإنسان يصرخون: هذا السلوك مناف للحريات.. فنحن بذلك نقض مضاجع الآمنين ونزرع في قلوب مهربي الأموال الخوف والرعب!. ونحن نقول لأصحاب هذا الرأي: وجع في قلوبهم. فقد وجعوا قلوبنا. فلم يرحمونا ولم يرحموا البلد الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.. حين بطشوا بقيمه وأعرافه وداسوا فوق قوانينه وفتحوا بطنه وأكلوا مصارينه. ومضغوا كبده وكسروا قلبه.وشفطوا الدماء من شرايينه بعد أن هربوا أكثر من 150 مليار دولار إلي الخارج. وبعد أن تاجروا في الاقتصاد الخفي تحت "الترابيزة" بأكثر من 300 مليار هي تقريباً نصف الناتج القومي.. فهل يصح بعد كل هذا أن نرحمهم وأن نربت فوق أكتافهم ثم نعتذر لإزعاجنا لهم؟. يا سادتي كفي هزلاً. ارحموا مصر. واستجيبوا لأناتها وصرخارتها.. لا تأخذكم بهم شفقة أو رحمة واقتلوهم. حيث ثقفتموهم. ويبقي السؤال: هل ستقتصر مهمتنا علي استرداد مبلغ ال 350 مليون دولار التي كان الدكتور أسامة عبدالوهاب الرئيس الأسبق لشركة النصر للمسبوكات قد تمكن من تهريبها إلي سويسرا أم ستأخذنا فورة الحماسة والصحوة ونهبُّ لاسترداد كل أموالنا بالخارج؟. هل هي طلقة جوية واحدة إلي هناك بعدها سنعود إلي "عنب ديبو" ونسمع كل يوم عن "دراكولا" جديد ومتهرب هارب وغاسل أموال؟. يا سادتي الفرصة.. لا تفوتوا الفرصة. فقد عرفنا سراديبهم وجحورهم وإذا كنا بالفعل صادقين فعلينا أن ندكها علي رؤوسهم حتي يكونوا عبرة لمن يخشي. فيتوارون من دنيانا وتصبح مصر وبحق للمصريين! أملي أن أعيش حتي أري هذا اليوم.. لكن بعض المتشائمين يقولون لن تراه لأن الله لن يعطيك صبر أيوب ولا عمر نوح!. -- صحيفة الجمهورية المصرية في 10 -11- 2005