«يركب مركبًا ويبحر فى بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها».. بهذه الكلمات نعى الشيح متولى الشعراوي، الشيخ «محمد صديق المنشاوي». له أسلوب مميز، وأداء متقن، واعتداد بالنفس، حجز مكانه فى مقدمة قراء القرآن فى العالم الإسلامي، إنه الشيخ محمد صديق المنشاوى صاحب الصوت الخاشع الباكي، الذى أهّله ليكون فى صدارة المقرئين طوال العقود السابقة، ورغم مرور قرابة 49 عامًا على وفاته إلا أنه ما زال حاضرًا بقوة، وما زال متمتعًا فى أرجاء العالم الإسلامى بشعبية جارفة. رفض دعوة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للتلاوة أمامه، وكانت بداية القصة عندما حمل الدعوة إلى «المنشاوي»، أحد الوزراء قائلاً: «سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلاً يحضره الرئيس عبد الناصر»، فردّ عليه «المنشاوي» قائلاً: «لماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي». وعلل الشيخ رفضه للدعوة قائلاً: «لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل إلىّ أسوأ رسله»، دون الإشارة إلى اسم المندوب الذى تحدّث إليه، وأصر على الرفض، بالإضافة إلى أنه رفض الاهتمام بالانضمام إلى الإذاعة المصرية، حتى اضطرت الإذاعة أن تنتقل إليه لتُسجل له، حيث سبق أن أرسلت إليه تطلب منهُ أن يتقدم بطلب ليُعقد له اختبار، فإن اجتازه، يعتمد مقرئًا بها، فرفض الشيخ قائلاً: «لا أريد القراءة بالإذاعة، لستُ فى حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يعقد لى هذا الامتحان، فما كان من مدير الإذاعة فى ذلك الوقت إلا أن أمر بأن تنتقل الإذاعة إليه". وتعود أصل القصة إلى أنه فى إحدى ليالى رمضان، المُقامة داخل قرية «إسنا» بسوهاج، فوجئ الشيخ بأن الإذاعة أرسلت مندوبها لتُسجل تلاوته، وعندما قيّم المسئولون بالإذاعة الشريط، أرسلوا إليه لاعتماده إلا أنه رفض مرة ثانية، وأثار هذا الموقف غضب المسئولين بالإذاعة، إلا أن أحد المُقربين من الشيخ تدخل فى الأمر، موضحًا أن هذا الرفض ليس لهُ أى مبرر، وبعد إلحاح شديد، ذهب «المنشاوي» للإذاعة واستكمل تسجيلاته وظل قارئًا بالإذاعة منذ ذلك الوقت إلى أن توفاه الله. الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، أحبّ صوته، ودعاه للمشاركة فى السرادق المقام لإحياء مأتم والد الزعيم بالإسكندرية، وبعد انتهاء الليلة طلب منه أن يبيت بالحجرة المجاورة له وفى الصباح طلب منه عبد الناصر سماع فن الترتيل، وبعد عشر دقائق بكى الزعيم متأثرًا وأصدر قرارًا للشيخ بتسجيل المصحف المرتل للإذاعة المصرية وفقًا لما نشرته الأهرام عن الواقعة. ولد «المنشاوي» بقرية المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج عام 1920، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو فى الثامنة من عمره، نشأ فى أسرة قرآنية عريقة، فأبوه الشيخ صديق المنشاوى هو الذى علمه فن قراءة القرآن الكريم، وكان من مشاهير القراء. لم يسلم الشيخ من المكائد فأثناء إحياء سهرة قرآنية، وحين جاء دوره عطل أحد القراء الحاقدين عليه جهاز الميكرفون ليذيع إشاعة بين الناس أن «المنشاوي» صوته ضعيف يعتمد على الميكرفون فقام الشيخ وترك مقعده والميكرفون وأخذ يمر بين الحضور وهو يقرأ وسط أصوات التكبير والتهليل لعذوبة الصوت وجمال الأداء. كان الشيخ من عشاق صوت أم كلثوم، وقال إن فى صوتها قوة رقيقة ونغماً موسيقياً، احتفت به عدة دول عربية، ومنحته سوريا وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية عام 1956، كما منحته إندونيسيا وسامًا رفيعًا فى منتصف الخمسينيات. تزوج المنشاوى مرتين، حيث أنجب من الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية 5 أولاد و4 بنات، توفيت زوجته الثانية وهى تؤدى مناسك الحج قبل وفاته بعام. وفى عام 1966 أصيب بمرض دوالى المريء، لكنه لم يتوقف عن قراءة القرآن، وتوفى يوم الجمعة 20 يونيو 1969م. ش