صدر منذ أيام عن الهيئة المصرية للكتاب أحد الكتب المهمة في فن المسرح الشعري للمبدع و المفكر البارز الدكتور أسامة أبو طالب ..وهو أحد المثقفين الموسوعيين ..فهو كاتب فنان و مترجم و شاعر شغل بعض المناصب في مسارح الدولة ، و يعمل أستاذا في أكاديمية الفنون..كما أثرى المكتبة العربية بالعديد من الدراسات و التراجم المهمة منها ترجمته لقصائد الشاعر الألماني الكبير هاينريش هاينة Heinrich Heine و المعنون ب " الإياب" Die Heimkehr و "البطل التراجيدي مسلما" بالإضافة إلى بعض الدواوين الشعرية و الدراسات السردية . و الكتاب الذي هو موضوع حديثنا بعنوان :" المسرح الشعري الحديث "وهو يتكون من حوالي 220 صفحة . و قد قسم الكتاب إلى بابين .. يتكون الباب الأول من فصلين .. الأول مقدمة مهمة عن مفهوم الشعر و الفرق بين الشعر الذاتي والموضوعي و الفرق بين القصيدة الغنائية lyric و الملحمية epic و الشعر الدرامي dramatic أو قصيدة الصوت الأول و قصيدة الصوت الثاني و الصوت الثالث بتعبير الشاعر و الناقد الإنجليزي تي.إس .إليوت ..الذي يكثر المؤلف من النقل عنه لقيمته الأدبية الكبيرة .. هذا بالإضافة إلى اقتباسات أخرى متنوعة بدءا من نقاد اليونان و بخاصة أرسطو .. ومرورا بأجيال و مدارس أدبية مختلفة فينقل عن ماثيو أرنولد وشيللي وورث وكوليرج و عزرا باوند ، و ينقل أيضا وجهات النظر المختلفة للشعراء و النقاد العرب ..من خلال موضوعات و قضايا مهمة لا يستغني عنها النقاد و الدارسون و المبدعون مثل الشعري المسرحي و الموضوعات التي يعالجها .. وهل هو يقتصر على ما هو تاريخي و أسطوري فقط ؟ أم إنه يصلح أيضا لتناول موضوعات عصرية .. و من القضايا المهمة أيضا بنية الموسيقى في الشعر المسرحي و هل هناك بحور معينة ..يمكن اعتبارها هي الأنسب لهذا الفن ..إضافة إلى مناقشة فكرة التنوع الموسيقي في الدراما الشعرية و مقارنة ذلك بين بعض النماذج العربية و الغربية .و في الفصل الثاني الذي عنونه المؤلف ب التبشير بالتجديد يتناول المؤلف تجربة الشاعر علي أحمد باكثير في المسرح الشعري و يتوقف أمام العديد من المحطات و التحولات في حياته و مسيرته الأدبية .أما الباب الثاني فهو يتكون من ثلاثة فصول .. الأول خصصه المؤلف لتجربة عبد الرحمن الشرقاوي و انتقاله من الرواية إلى الدراما الشعرية .. و الفصل الثاني كان من نصيب صلاح عبد الصبور الذي يحتل مساحة كبيرة من الكتاب .. والذي يعتبره المؤلف التجربة الأنضج و الأبرز في المسرح الشعري العربي .و يختم المؤلف هذا الباب بالفصل الثالث الذي تم تخصيصه لبعض النماذج لمتفرقة ل محمد مهران السيد و شوقي خميس و محمد إبراهيم أبو سنة و عز الدين إسماعيل .و أخيرا يذيل المؤلف كتابه بالحديث عن بعض المواقف الشخصية و الأدبية مع الراحل صلاح عبد الصبور الذي ترك أثرا إنسانيا و علميا كبيرا في حياة المؤلف حتى إنه كتب قصيدة رثاء فيه يوم وفاته بعد حضوره جنازته و الفراغ من دفنه . والقصيدة بعنوان عشاء الشاعر الأخير . و من الأمور اللافتة للنظر هي ثقة المؤلف و جرأته في طرح رؤاه و مواقفه النقدية دون هيبة من الأسماء الكبيرة التي تناولها في هذا الكتاب الذي كان عبارة عن رسالة ماجستير نوقشت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1981 و في حضور صلاح عبد الصبور نفسه في لجنة المناقشة ..تلك الجرأة النقدية – من باحث شاب في ذلك الوقت - والتي كانت دليلا على أن ذلك المؤلف والناقد سيكون مختلفا و متميزا عن كثير من النقاد على المستويين الفني و الإنساني ، وقد كان . تحية للدكتور أسامة أبو طالب على جهده النقدي و عطائه الأدبي المتميز .