قال مراقبون، إن المبادرة التي أطلقها الدكتور كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، القيادي السابق بجماعة "الإخوان المسلمين"، والتي تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية القائمة في مصر بين السلطة والجماعة، من الصعب تنفيذها على أرض الواقع، لا سيما أن هناك خطوات عدة لابد أن تسبق الحديث عن أي مصالحة، وأبرزها الاعتراف بكافة الأخطاء التي ارتكبها، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وأطلق الهلباوي، مبادرة جديدة لمحاولة إنهاء الأزمة، مقترحًا تشكيل ما أسماه "مجلس حكماء من شخصيات وطنية مصرية أو عربية أو دولية". الهلباوي قال إن "الوساطة الواجب القيام بها في مصر، يمكن أن تشكل مدخلًا لإعادة الهدوء إلى مصر خاصة والمنطقة عمومًا، وفتح أبواب التعايش بين الفرقاء السياسيين على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة". وفي تصريحات له، اقترح الهلباوي "تشكيل مجلس حكماء يضم شخصيات عربية ودولية مشهود لها بالنزاهة، لقيادة وساطة تاريخية في مصر، تنهي حالة الصراع القائمة بين نظام الحكم والمعارضة، وفي مقدمتهم الإخوان، والتأسيس لمصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدا إلا أهل العنف والإرهاب". وحدد أسماء أعضاء "مجلس الحكماء" المقترح وهم: عبدالرحمن سوار الذهب، الرئيس السابق للجمهورية السودانية، ومرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة الكويتي، وعبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق، والصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي المعارض في السودان، ومنير شفيق، مفكر فلسطيني، ومعن بشور، مفكر وكاتب سياسي لبناني. بالإضافة إلى محمد فايق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، وشخصية يختارها الأزهر، وأخرى تمثل الأقباط، وغيرهم. وقال الهلباوي إن بعض من وصفهم ب "الحكماء" اتصلوا به بالفعل خلال الفترة الماضية، ورشحوا مجموعة أخرى من الشخصيات الوطنية المشهود لهم بالنزاهة وأصحاب أدوار نبيلة، لافتًا إلى أن ما يطرحه لا يعبر عن رأيه أو موقفه الشخصي فقط، بل يعبر عن كثير من المخلصين الذين يأملون الخير لمصر وشعبها. وتابع: "سيجيب هؤلاء الحكماء -إذا قُدر لهم الاجتماع قريبا- عن كل القضايا المطروحة على الساحة المصرية، ولهم إضافة من يريدون إلى اللجنة التي سيتم تشكيلها، والتي قد تصبح مجلسا وطنيًا قوميًا، وسيتم النظر في المسائل واحدة تلو الأخرى، بدلًا من البحث عن حلول عند أمريكا أو أوروبا أو لدى روسيا وإسرائيل". وشدّد على أنه "لا توجد مشكلة أو أزمة تستعصي على الحل، فكل مشكلة ولها حلها، ولا أظن أن العقل الغربي أحسن من العقل العربي، إنما هي مسألة استخدام العقل والمنطق، وكثير من الحروب الطاحنة انتهت باتفاقات ومعاهدات سلام ومصالحات بحلول سياسية". عبد العزيز الحسيني، عضو المكتب التنفيذي للحركة "الديمقراطية المدنية"، نائب رئيس حزب "تيار الكرامة"، قال إن "الحديث عن أية مبادرات أو مصالحات بين السلطة والجماعة، لا بد أنه يسبقه اعتراف الجماعة بأخطائها وخطاياها على مدار التاريخ، وما قامت به وأدى إلى وصول الأوضاع إلى هذا الحال". وفي تصريح إلى "المصريون"، شدد الحسيني على أهمية ذلك "حتى لا يتكرر الصدام واستعمال السلاح وسفك الدماء"، قائلاً إن "جميع الأطراف ليس لديها استعداد أو قابلية للتحدث عن أخطائها، أو أن لها ارتكب تاريخ أسود بحسب وصفه، والكل يعتقد أنه على صواب". وأضاف أنه "من الضروري أيضًا، على جمع الأطراف، طرح رؤيتهم بخصوص ما سينفذونه في المستقبل"، معتبرًا أن "الإخوان"، تظن أنها على الحق، وأنها جماعة المسلمين إضافة إلى إدعائها الحكمة دومًا، والأمر ينطبق كذلك على السلطة، والجماعة أما أحد طريقين إما الدعوة الدينية أو السياسة". الحسيني، أكد أن "القضية، لن تُحل بدعوة أحد للمصالحة أو تقديم مبادرات، وإنما بأن يتبرأ الجميع من أخطائه وأن يعترف بها"، مستكملًا: "وارد أن يكون النظام في أزمة ويحتاج إلى الخروج منها، لكن هذا حل لمشكلته هو ليس حل لمشكلة مصر". ورأى عضو الحركة "الديمقراطية المدنية"، أن "الحديث المتكرر عن المصالحة، يشير بشكل أو بآخر إلى أن هناك شيء ما يتم داخل الغرف، حيث إنه ليس من المعقول أن يتم التحدث عنها كثيرًا دون أن يكون هناك أمر ما يدور". سامح عيد، الباحث في الحركات الإسلامية، قال إن "الحديث عن مصالحة مع التنظيم، عليها تحفظات كثيرة، ولن يُكتب لها النجاح إطلاقًا وكذلك لن يقبلها أحد، أما أن يتم الحديث عن مبادرة تقوم على الدعوة لحل التنظيم وكذلك التخلي عن العنف، فهذا المرحب به". وأضاف ل "المصريون": "المبادرة المطروحة لابد أن يكون الأصل فيها الشباب، الذين لم يتورطوا في سفك دماء أو تخريب، إذ أن هناك عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب، تم إلقاء القبض عليهم في مظاهرات أو لمجرد انتمائهم لجماعة محظورة، أو محبوسين حبسًا احتياطيًا، بالمخالفة للدستور". وأوضح أنه إذا "كان هناك قيادات "إخوانية"، لديها القدرة على الدعوة صراحة لحل التنظيم أو تجميده لأمد غير محدود، فليس هناك ما يمنع لانضمامه للمبادرة". وتساءل: "إذا كانت هناك مصالحة، هل سيتم التفاوض قيادات التنظيم مثل، خيرت الشاطر وبديع وغيرهم، هذا لا يمكن أن يحدث، ولن يقبل به أحد، وإذا كانت مبادرة الدكتور الهلباوي كذلك، فسيكون مصريها الفشل". وبرأي عيد، فإن من "ينضم لتلك للمبادرة لابد أن يتم عزله في سجن لوحده، وفي عنابر أكثر أريحية، ويحصل على زيارات مفتوحة، ووسائل اتصال أفضل ويتم التحاور معهم، عن طريق بعض الكتاب والصحفيين والمفكرين، وأيضًا بعض شخصيات الجماعة الإسلامية، الذين أجروا مبادرات وقف العنف مع النظام". واستكمل: "يستمر ذلك إلى أن يتيقن تلك المبادرات محمولة على محمل الجد، ثم يتم الإفراج عنهم تباعًا طالما أنهم لم يرتكبوا عنف"، متابعًا: "وليس هناك ما يمنع أن تنضم الشخصيات التي ذكرها الهلباوي لتنفيذ المباردة التي تهدف للدمج الاجتماعي لهذا الشخصيات، وليس المصالحة". وأشار إلى أن السلطة عليها أن تعي جيدًا هؤلاء الشباب، سيخرجون عاجلًا أو أجلًا، وأن المتورطين في عنف كبير لا يتخطى عددهم ألف شخص، بينما الباقي متهم فقط بالانتماء لجماعة محظورة، أو مقبوضًا عليهم في تظاهرات. غير أن الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون بالدراسات الإنمائية والإستراتيجية أثنى على المبادرات الرامية لتحقيق المصالحة بين السلطة وجماعة "الإخوان المسلمين"، وآخرها مبادرة الدكتور كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب. وقال إبراهيم في تصريح إلى "المصريون"، إنه مؤيد لأي مبادرة تطرح فكرة المصالحة بين جميع الأطياف السياسية والمجتمعية وليس بين جماعة "الإخوان" والسلطة فقط، في الوقت الذي تعاني فيه الدولة المصرية من انقسام واضح. وأضاف إبراهيم: "عودة جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوفد إلى وضعهما الطبيعي، يعود بالحياة السياسية إلى حيويتها المعهودة، ويبث الحركة في المشهد السياسي، في ظل حالة الركود الحالية، مع عدم وجود أي أحزاب سياسية أو جماعات شبابية لها دور سياسي وشعبي فاعل داخل المجتمع المصري، ما يؤدي إلى زيادة الأخطاء السياسية التي تقع فيها السلطة لعدم وجود معارضة حقيقية". ووصف إبراهيم، كل من يرفض فكرة المصالحة، أو يحاول إرهاب طارحي الفكرة، بتخوينهم تارة أو بتعريضهم إلى الإساءة اللفظية والمعنوية تارة أخرى بأنه "جاهل يعمل عكس رغبة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أبدى في خطابه الأول بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية، رغبته في وجود حياة سياسية حقيقية، دون تفرقة بين فئة وأخرى". وأشار إلى أن السيسي قال إنه "لا يرغب بأي حال من الأحوال في تعديل الدستور، لمد فترة حكمه، وهو الأمر الذي لا يعجب الجهلاء، الذين يهددون بغلق مركز بن خلدون، وإضافة شخصيات أخرى على قوائم الإرهاب والتخوين، لتبنيهم فكرة المصالحة".