رايح بنفسك للشهادة.. فاتح لها دراعيك.. ملو الشفايف ضحكتك، وفى قلبك الصافى كتاب الله بيهديك، كل الولاد إللى كانوا بيحفظوا القرآن.. يتعلموا بإيديك.. لسه دموعهم ع الخدود.. مالها مثيل ولا حد.. بتبص جوا عينيك.. بيقولوا نام يا مصطفى.. اتهنا.. ويا ريت نقابلك هناااك مع الشهداء.. وتاخدنا ونعيش معاكوا سوا.. جمعا وفى الجنة.. هل كان يقينك بالله إلى هذا الحد؟ حين تمنيت الشهادة ونحسبك عند الله من الشهداء الأبرار! هل وصلت إلى مرحلة الصدق مع ذاتك، واتصلت بوصل الله لتصر على النزول لمشاركة إخوانك فى الوقوف ضد الظلم الذى جثم على صدورنا نحن المصريين سنين عددا؟ ما الذى دفعك لأن تؤكد لأمك أنك ستنال الشهادة.. آه يا مصطفى.. حين تصدق النية ويتاجر المؤمن مع ربه ليس علينا سوى أن نقول: ربحت التجارة والله! "أنا ذاهب لأستشهد غدًا يا أمى، فكيف تريدين منى عدم النزول للمظاهرة؟!".. "سأتزوج غدًا من خارج الدنيا بإذن الله".. هذه كانت آخر كلماتك مع أمك المؤمنة، التى ضربت أروع أمثلة الصبر والاحتساب قبل استشهادك بأربع وعشرين ساعة فقط يوم الخميس الموافق 27/1/2011م، فيا لها من أم أنجبت مثلك! سنواتك التى لم تتعد ال 26 وإخوتك الخمسة الذين كنت بينهم كواسطة العقد.. وبيتك الرابض بالعقار رقم 18 بشارع الجامع بالحوتية بالعجوزة.. كلهم يفيضون دمعًا لفراقك وفرحًا وسعادة ليقينهم أن الله اصطفاك بإذن الله لمكانة أفضل مما كنت تتمنى يا حافظ كتاب الله. هل اشتقت لمسجد الحصرى بالعجوزة، الذى كنت تؤمُّ فيه المصلى؟ وهل اشتقت لمساجد أخرى كنت تحفِّظ فيها الصبيان والأطفال كتاب الله "الذى كنت حافظًا له بأكمله"؟ ها هم حواريوك من الأطفال يبكون فقدك يا مصطفى، تراهم والدموع تنسدل ملء خدودهم وهم يبكون بحرقة المحب الذى افتقد حبيبه الذى كان حنونًا ويحدب عليه؟ إحدى الصغيرات قالت: كان يحبنا ويعاملنا بطيبة، وكان يحفظنا القرآن والإنجلش، ولما أكتب قصة كان يسمعها ويقول "جميلة" ثم انخرطت فى بكاء حار.. وبعد قليل مسحت دموعها لتنشد لك: يا مصطفى نام واتهنا.. واستنانا على باب الجنة". وها هو طفل آخر.. حزين جدًا لفقدك.. يبكى لأنه لم يعد يصلى معك.. يقول: كنت بأحب أصلى وراه، وأسمع صوته وهو بيقرأ القرآن فى الاحتفالات والمناسبات وينشد الأناشيد الجميلة. هل كنت تعلم الأطفال اللغة الإنجليزية مع القرآن لأنها تسببت لك فى مشكلة ب الثانوية العامة؟، فصممت أن تجيدها وأنجز 11 مستوى بالجامعة الأمريكية من أصل 13 مستوى، مما دعا الشركة التى تعمل بها للتمسك بك لإجادتك الإنجليزية بجدارة! لماذا لم توافق حين عرض عليك لمرات أن تسجَّل لك شرائط ويتمَّ تسويقها، هل لم تكن تهتم بذلك؟ هل هو عدم حب الشهرة؟ هل هو خجلك الدائم؟ يشهد لك أقاربك وجيرانك بصفاء النفس وسلامة الصدر ونحسبك كذلك ولا نزكيك على الله حتى قيل إنك كنت زاهدًا جدًا حتى فى غرفتك، وكنت تتعمَّد ألا يوجد فيها إلا فراشك ومكتبتك، بلا سجاد ولا زخارف ولا كماليات.. فهل كنت تريد الله والآخرة فقط؟ فلاش باك.. "انتهى يا مصطفى من الجيش على خير علشان نخطب لك"، هكذا قالت لك أمك بعد حوار طويل معها وقد كنت تجهز أوراقك لتأدية الخدمة العسكرية، فما كان منك إلا أن قلت لها باطمئنان: "لا يا أمى، أنا سأتزوج من خارج البلاد"، فقالت هى لك: إن بنات الخارج لا يناسبن ثقافتنا"، فقلت مبتسمًا: "لا تقلقى يا أمى دول مناسبين جدًّا، وفى غاية الجمال". هل كنت تقصد الحور العين؟ يا سبحان الله! امتدت سهرتك مع أمك وأخواتك اللائى دعيتهن لتراهن.. وها هى أمك تحكى تحكى باكية: سهرنا معًا يوم الخميس إلى صلاة الفجر، فصلينا، وقلت له بعدها اذهب للنوم لأنك تعبت اليوم جدًّا، ولا تذهب للمظاهرات، فردَّ علىَّ: أنا ذاهب لأنى سوف أستشهد غدًا بإذن الله، وتبسَّم وذهب للنوم!، حينها انشغل قلبها ولما جاء وقت صلاة الجمعة، توجَّست أمك أن توقظك، ففتحت باب غرفتك وتأكدت أنك نائم، وتسلَّلت ببطء خوفًا من استيقاظك وذهابك إلى المظاهرات، إلا أنها لحظات وهبَّّبت مستيقظًا، وارتديت ملابسك بسرعة، وذهبت مهرولاً إلى صلاة الجمعة دون حتى أن تسلِّم عليها. فلاش باك.. ها أنت تنتهى من صلاة الجمعة وتتوجه للميدان بصحبة صديقك محمود، تحركتما من مسجد مصطفى محمود، وأول نقطة احتكَّ بكما الأمن المركزى فيها كانت على كوبرى الجلاء؛ حيث ضربوكما والمتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع وتحركت أنت ومحمود والآلاف عند كوبرى قصر النيل بالقرب من الأوبرا؛ لتساعدا فى نقل المصابين حتى أصابك الرصاص الحى. قطع.. / إنهم يذهبون بك الآن إلى مستشفى "الأنجلو أمريكان" وأصوات تتردد باكية، وأنفاس هلعة ودماء على الملابس، مصطفى الصاوى استُشهد، مصطفى الصاوى استشهد! النهاية.. / وفى المستشفى الكل متحلق حولك، وكان تقرير الطب الشرعى الذى أثبت إصابتك بطلقات نارية "رشية" حيوية بمنطقة الصدر، ونتج منها 25 ثقبًا.. وكانت المفاجأة المفرحة التى جعلت الجميع يجهش بالبكاء.. إنه إصبعك الذى كان على وضع الشهادة منذ مجيئك للمستشفى، وتجمَّد على تلك الحال.. والله لا أدرى هل كان بكاؤهم شجنًا وحزنًا لفراقك.. أم فرحًا بخاتمتك التى نحسبها على خير.. اللهم اكتبه عندك ورفاقه من الشهداء والصديقين.. آمين.