رغم القصف الشديد الذي يستهدف منازلهم ويحصد أرواحهم من قبل النظام السوري، تمسك سكان الغوطة الشرقية بريف دمشق بالبقاء في أرضهم حتى لو هدمت كل منازلهم، وذلك في تحد صارخ لجميع أنواع الاعتداءات والانتهاكات. وفي 19 فبراير، بدأ نظام "الأسد"، بمساندة جوية روسية، حملة قصف بري وجوي تعدّ الأشرس من نوعها على الغوطة، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى من المدنيين. وقال "محمد يعرف"، أحد سكان المنطقة، لوكالة "الأناضول"، إنّ حيّه الذي تعرض للقصف يضمّ مدنيين فقط، ولا يوجد فيه أي مقر عسكري، مشيرًا إلى أن القصف أودى بحياة نصف سكان الحيّ. واتهم محمد، العالم ومجلس الأمن الدولي ب"الكذب وعدم المبالاة" بأوضاع المدنيين بالغوطة، لافتَا إلى أن السكان اضطروا للهروب للأنفاق هرباً من القصف، غير أنهم يواجهون شبح الجوع القاتل الذي يهددهم منذ بدء الحملة. واعتبر أنه "لو حدث مثل هذا الأمر في أوروبا أو إسرائيل، لقامت الدنيا ولم تقعد"، مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك لوقف ما تتعرض له الغوطة. وشدد محمد على أنه مهما طال القصف، فإن السكان "لن يغادروا الغوطة الشرقية، وهم مستعدّون للتضحية بجميع أبنائهم من أجل ذلك". من جانبها، قالت المربّية مها عكاشة، أن القطاع التعليمي بالمنطقة تعرض لخسائر كبيرة جراء القصف، كما قتل عدد كبير من الطلاب والمعلّمين، خلال الحملة، رغم وجودهم في الأقبية. وأضافت: "لدي طالبة في الصف الثالث قتلت في القصف، وأخرى في الصف الأول تم انتشالها من تحت الأنقاض وهي فاقدة للوعي حتى اللحظة، كما قتل مدرسين بالمدرسة التي أعمل بها". أما تميم الدحم، وهو أيضا من سكان الغوطة، فقال، إنّ "النظام دمّر كل شيء بالمنطقة، والوضع أضحى متأزمًا بشكل لا يوصف، وسط لامبالاة من قبل الدول العربية والعالم". وتابع: "نحن مزارعون مدنيون بسطاء، نبحث عن رزقنا ولسنا إرهابين". مستغرباً استخدام النظام لكل تلك القوة الجوية التي يمتلكها ضد الغوطة، بينما لا يجرؤ على توجيه طائرة واحدة نحو إسرائيل. ولفت تميم إلى أن حيّه تعرض لصاروخين دمرا عشرات المنازل فيه. مضيفًا: "لو استعان النظام بدول أخرى علاوة على روسيا، فلن نخرج من أرضنا مهما كلّفنا الأمر". من جهته، قال محمد عواد الذي خسر اثنين من أبنائه في الحملة الأخيرة، إنّ "النظام لم يترك شيئا لم يستهدفه، حتى أننا أصبحنا نقضي كامل وقتنا في إخراج الناس من تحت الركام". وبنبرة حاسمة، تابع: "لو سانده (النظام) كل العالم كما تسانده روسيا، فلن نخرج من بيوتنا حتى لو هدمها جميعا". وتتعرّض الغوطة الشرقية لحملة عسكرية تعتبر الأشرس من قبل قوات نظام "الأسد". والغوطة هي آخر معقل كبير للمعارضة قرب دمشق، وإحدى مناطق "خفض التوتر"، التي تمّ الاتفاق عليها في محادثات العاصمة الكازاخية أستانة عام 2017؛ الأمر الذي أسفر عن سقوط مئات الفتلى. وتحاصر قوات النظام نحو 400 ألف مدني في الغوطة الشرقية، منذ أواخر 2012، حيث تمنع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الطبية لهم. واعتمد مجلس الأمن -بالإجماع- القرار 2401، السبت الماضي، ويطالب جميع الأطراف بوقف الأعمال العسكرية لمدة 30 يومًا على الأقل في سوريا ورفع الحصار، المفروض من قبل قوات النظام، عن الغوطة الشرقية والمناطق الأخرى المأهولة بالسكان. وفي مقابل قرار مجلس الأمن، أعلنت روسيا، الإثنين، "هدنة إنسانية يومية" في الغوطة الشرقية، بدءًا من الثلاثاء وتمتد 5 ساعات فقط يوميا، وتشمل "وقفًا لإطلاق النار يمتد بين الساعة التاسعة صباحا والثانية من بعد الظهر للمساعدة في إجلاء المدنيين من المنطقة"، حسب بيان لوزارة الدفاع الروسية.