زينة وجميل الولد.. واقف كده منظر.. شهم وكرامة وزين فى الجنة يتمختر.. مرسومة ضحكة عنيه.. أحلامه كانت بسيطة.. كانت على قده.. لكن تدقق شوية.. تلاقيه بطل فارس.. أول شهيد يا ولد والمشرحة شاهدة.. على بسمته الصابحة.. فى الوش تتغندر.. ارسمها انت بقى.. لو كنت يوم تقدر!! عشرون عاما هى كل عمرك الذى قضيته فى هذه الدنيا يا مصطفى.. أعرف أنك كنت كل شىء لأمك وأخواتك فى الحياة، كنت زهرة شباب الحى البسيط الذى تسكن فيه.. بمنطقة عامر بحى الجناين.. عشرون عاما عشتها كما يعيش مصريون كثيرون.. حياة لا هى بالوارفة السعيدة ولا هى بالضنك الشديد.. حياة الرضا مع قليل القليل مع حلمك اللا متناهى وملايين الشباب معك بفجر جديد يشرق على أجمل بلاد الدنيا.. هل كنت تعلم أن الرصاصة التى اخترقت جسدك الطاهر ستكون وبالا على الظالمين ونورا أبيض من لون اللبن الحليب على مصر؟.. هل كنت تعرف أنك لن تعود إلى بيتك وأهلك وأمك التى كادت عيناها أن تبيضا عليك من البكاء المتواصل.. أمك التى قابلتها ذات مرة فى مكتب نقيب الصحفيين.. والتى من فرط مرارتها وحزنها وانسياب الدموع على وجهها لم أكن أدرى هل كانت تتكلم وهى تبكى؟ أم تبكى وهى تتكلم؟! أكاد أجزم أنك ما ارتديت يوم استشهادك أجدد ملابسك كما قالت أمك إلا لأن قلبك النقى الطاهر أشار لك بهذا وأعلمك اليقين أنك ستكون شرارة البدء التى ستشعل وجدان الشعب المصرى الذى ظل مهموما طيلة الثلاثين عاما الماضية.. والتى ظل فيها تحت حكم رئيس لم يراعِ فيهم إلاًّ ولا ذمة. هل كان عليك أن تتحمل مسئولية أخواتك البنات بعد وفاة أبيك وأنت لا تزال غض العود.. صغير السن.. إذ ماذا سيفعل صبى فى الثانية عشرة مع أم وأربع بنات بلا عائل سواك؟ هل تكفى سبعة أعوام من العمل "كأرزاقى تتنقل من هنا لهنا.. ومن هنا لهناك.. ومن عند ذلك لذاك.. لا تصبر على عمل واحد.. تعمل فى عدة أشياء بنفس الوقت لتكفى عائلتك الكبيرة التى فوجئت بك رجلا ناضجا ومسئولا عنهم على صغر سنك. يا الله يا رحيم!! ها أنت تركض أمام أمك وأخواتك وأنت تدخل البيت راقصا فرحا تبشرهم بأنك حصلت على وظيفة.. نعم وظيفة فى شركة أسمنت السويس فى وقت عزت فيه الوظائف على خريجى الجامعات.. بعد أن تنازلت عن حلمك فى التعليم.. هجرت المدرسة بعد الإعدادية لتتقدم لوظيفة عامل.. نعم عامل بشركة السويس للأسمنت، ألهذه الدرجة كانت تسعدك الأشياء البسيطة العظيمة فى آن؟ صوتك يسرى عبر أركان البيت: "يا بنات" يا "امه" خلاص.. خلاص.. سأزوج كل أخواتى البنات.. وأجهزهن.. وسأعالج أمى الحبيبة من الفشل الكلوى!! هل كنت تعلم أنك راحل عنا؟ قل إنك كنت تعلم وإلا.. فلماذا طلبت من أختك أن تعلمك الصلاة قبل شهادتك بثلاثة أيام وأنت الذى لم تكن تصلى من قبل؟! هل كان لقاؤك بالله فى صلاتك لقاءً تمهيديا للقاء أبدى كنت تنتظر تحديد موعده فقط فأردت أن تذهب ومعك بعض برهانك على إيمانك به؟ ولماذا زرت كل أقاربك.. ألأنك كنت تودعهم الوداع الأخير؟ هل مهدت لك أمك الطريق إلى الذهاب بحلمها بأن والدك المتوفى يطلب قميصك الأسود؟ أنت عدت فى العاشرة صباحًا من وردية العمل الليلية واستيقظت فى السادسة مساءً واستحممت وحلقت ذقنك وارتديت أبهى ملابسك وخرجت كعريس، وقتها لم يستطع أحد إقناعك بالتراجع.. فالرب واحد والعمر واحد.. وودعك محبوك ونحن معهم لتصير أول شهداء ثورتنا المجيدة.