ما أثار العجب هو الهجوم الشديد الذى شنه المثقفون على الرئيس لتأكيده فى خطاب التحرير على تضحيات الشعب المصرى فى سبيل الحرية منذ العشرينيات وتأكيده بعبارة (الستينيات وما أدراك ما الستينيات)، إذ يتشدق هؤلاء بأن الستينيات شهدت مشروعًا وطنيًا له أخطاؤه ولا يجب التعريض به بعد ثورة 25 يناير! فالسادة ما زالوا مصرين على بيع الأوهام للشعب، وتمجيد الزعيم أبو خالد الذى أسس للديكتاتورية المصرية، صحيح أن الرجل قد أفضى إلى ما قدم إلا أن التحذير من مشروع الحكم الفردى الاستبدادى واجب كل وقت، وربما أصر الرئيس على التنبيه إليه لأسباب عديدة منها: 1-التأكيد أن استبداد الفرد لا يأتى بخير أبدًا مهما لمعته أبواق الإعلام، فقد استلم ناصر السلطة ومصر دائنة لبريطانيا وتركها والاقتصاد المصرى ضعيف ومدين، رفع شعار الحرية والكرامة ثم امتلأت معتقلاته بالإسلاميين والسياسيين المعارضين الذين لاقوا أشد ألوان البطش والتعذيب، أى حرية وكرامة تلك؟ رفع شعار الوحدة العربية وخاصم معظم الأنظمة العربية لأنها (رجعية)، بل خاض حرباً فى اليمن (صراع مع السعودية) كلفت مصر ملايين الجنيهات وآلاف الشهداء، حرر القناة فى 56 وعبأ إعلامه الجماهير العربية نحو محو إسرائيل من على الخريطة فكانت الهزيمة الساحقة لمصر والعرب، وتم احتلال القدس والجولان والضفة الغربية وغزة بل وترك لنا ثلث مصر (سيناء) تحت الاحتلال الإسرائيلى، وأضحت أقصى أمانى العرب هى العودة لحدود 4 يونيه 67. 2-لذكر الستينيات دلالة أكيدة على معاداة حكم العسكر، وأنه سبب تدهور مصر بين الأمم، فمن المعروف أن تسييس الجيش والمخابرات واستخدامهما فى إدارة كل المؤسسات واعتقال المعارضين وتضخم (عبدالحكيم عامر، شمس بدران، صلاح نصر) قد أفسد السياسة ودمر العسكرية؛ مما أدى للهزيمة المروعة، فالرئيس إذن يؤكد حتمية عدم تدخل العسكر فى السياسة حاضرًا ومستقبلاً. 3-إن الثورة قامت ضد نظام مبارك (وهو امتداد لمرحلة الستينيات) القائم على الاستبداد والحكم البوليسى، ونظام الحزب الواحد الشمولى (من الاتحاد الاشتراكى إلى الحزب الوطنى) وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، والتضييق ماديًا والتجاهل إعلامياً للعلماء والمفكرين والدعاة مما دفع كثيرين منهم للهجرة، ومنهجية الفساد المستشرى فى هياكل الدولة نتيجة البيروقراطية والمركزية المستمرة منذ 50عامًا، فالرئيس يؤكد سعيه للتخلص من هذا الفكر العقيم ولتطهير الدولة من الفساد لتتمكن مصر من السير قُدمًا على طريق النهضة. 4- إن من حكموا مصر من رجال مبارك الذين أفسدوا فى البلاد هم أبناء تنظيمات الستينيات الشمولية (التنظيم الطليعى، الاتحاد الاشتراكى)، ومن أشهر هؤلاء (فتحى سرور- مفيد شهاب – كمال الشاذلى – صفوت الشريف – حسين كامل بهاء الدين – مصطفى الفقى – على الدين هلال – أسامة الباز – فاروق حسنى.. وغيرهم)، وما زال بعضهم يحتلون مناصب فى الدولة حتى الآن. 5- إن النخبة الناصرية ما زالت تسيطر على مقاليد الصحافة والإعلام فى مصر وهم بطبيعتهم معادون للهوية الإسلامية وحلفاء للحكم العسكرى الشمولى، فوزارة ثقافة (فاروق حسنى) تحت سيطرة هذا الفكر، وكذلك معظم الرموز الإعلامية والثقافية والسياسية ومن أشهرهم (حسنين هيكل – مكرم محمد أحمد – صلاح منتصر – يحيى الجمل – رفعت السعيد – يوسف القعيد – جمال الغيطانى – تهانى الجبالى – عبدالله السناوى.. وغيرهم)، ونتذكر كيف أجمع كلُ من(هيكل - الغيطانى – الغزالى حرب) على ضرورة بقاء المجلس العسكرى فى السلطة عدة سنوات خوفًا من الإسلاميين بدعوى المصلحة العامة، لذلك عرض بهم الرئيس فى خطابه؛ لأنهم ظهير قوى للعسكر ضده فى صراع النفوذ الجارى بينهما، وهم يشتركون الآن مع صبيانهم من فلول الإعلاميين فى الدعاية الموجهة ضد الرئيس بطرقهم غير المهنية، ساعين لإفشال مشروعه الرئاسى وتشويهه إعلاميًا لدى الجماهير.