- إمرأة طاعنة في السن تصر علي الصعود علي منصة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية لتهتف (عيش حرية عدالة اجتماعية.. يسقط يسقط حسني مبارك ).. سألتها لماذا تصرين علي الصعود؟ أجابت لأنه أذلني وجوّعني وأنا بمثل سنه!. - بنات صغار طالبات في مدرسة التمريض إعتلوا سطح بناية المعهد الذي يدرسون فيه وارتفع صوتهم وتصفيقهم عند مرور المظاهرة السلمية بمحاذاتهم (حرية).. معبرين عن أملهم وما يطمحون فيه. _ إمرأة منقبة بجوارها واحدة عارية الرأس وترتدي الجينز و الجميع يهتف متشابكي الأيدي (الشعب يريد إسقاط النظام )! -خيمة لليساريين بجوارها خيمة للإسلاميين في التحرير هؤلاء يقيمون الليل وهؤلاء يتسامرون علي موقد يشع الدفء ويغنون أغاني أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام (شيّد قصورك علي المزارع من كدنا وتعب أيدينا ,وبقرة حاحا)! - أسرة أرستقراطية تجلس علي الرصيف المواجه للإذاعة في منتصف الليل وفي شدة البرد تجاورها أسرة متوسطة الحال بأطفالها دون وجود ما يجلسون عليه أو يحتمون به من زمهرير يناير يعبرون عن آمالهم في التغيير وفي الحرية والحياة الكريمة ! - هتافات مختلفة , وأشكال متعددة , شباب غض وشيوخ كهول ونساء وشابات وفلاحون وعمال وموظفون ومقعدون ,كل جاء يحمل مظلمته في ميدان التحرير ومثلهم في جميع ميادين مصر. - أحداث متسارعة وتطورات كبيرة والناس تعبر عن نفسها, وتفجر طاقاتها وإبداعها, وتكسر حاجز الخوف والرهبة, وتستمر في الصمود 18يوما حتى يعلن مبارك تنحيه ,وتنفجر مكنونات الصدور بآهات وتنهيدات النصر والرضي بالنتيجة, وفجأة في وسط هذه المشاعر وفي نفس اليوم تخرج مظاهرة في التحرير تنادي (الشعب يريد إخلاء الميدان), يقابله في الجانب الآخر الشيخ حازم أبو إسماعيل محذراً (لا تتركوا الميدان ,فالقضية لم تنتهي بعد ,ووجودكم وسيلة الضغط لتحقيق مطالبكم!), وإستجاب من إستجاب لكلتا الدعوتين لكن من تركوه كانوا الأغلبية, وظن الكثيرون أن هذه هي نهاية الأحداث ولم يبق إلا أن تحكم الثورة ويسترد الشعب عافيته وحريته وكرامته وثروته! - كان تنحي مبارك هو بداية الانقضاض علي الثورة من رموز الدولة العميقة وأعمدة نظام حكمه فبدلاً من أن تحكم (الشرعية الثورية) ويتم كنس ومحاكمة رموز النظام بقوانين الثورة إذا بالدعوات تخرج لمحاكمتهم بالقوانين العادية وبأدلتهم وأدواتهم ومستنداتهم التي أجادوا تستيفها وترتيبها ليحكم القضاء بما أمامه من أوراق وأدله لا ترقي لإصدار أحكام إدانة بل تحمل أدلة البراءة لنظام استمر 30 عاما يمص دماء المصريين ويمتهن كرامتهم ويسلب حريتهم ويرتكب أبشع الأساليب لإضعافهم صحياً ومعيشياً وسياسياً وأخلاقياً, حتى يسهل قيادهم! - كان من مآسي المحاكمات لرموز النظام أن يتم استبدال الأحراز وتغييرها حتى أن حرز المراسلات والمكالمات والأوامر التي تصدر من وزير الداخلية العادلي للقادة باستخدام القوه ضد المتظاهرين تم استبداله ب"سي دي" عليه أغنية (العنب العنب العنب للمغني الشعبي سعد الصغير !). - حصل الرموز علي البراءات من قتل المتظاهرين ومن استغلال النفوذ ومن الفساد المالي ومن سرقة الأراضي ومن تهريب الأموال للخارج, ولم يبق إلا محاكمة الشعب بتهمه إقلاق مضاجع السادة الحكام.! - كانت هناك عوامل لعدم تحقيق الثورة أهدافها منها قناعة المجلس العسكري الحاكم بأن الثورة فرصة للتخلص من هاجس توريث السلطة لجمال مبارك وهو ليس من المؤسسة العسكرية التي تري أن منصب الرئيس محجوز لها من1952 ! - عدم وجود قياده محددة واحدة للثورة يمكن لها اتخاذ القرارات أو التفاوض باسمها مع قادة المجلس العسكري, وإن كان الدكتور محمد البرادعي الأبرز في هذا الجانب باعتباره من حرك المياه الراكدة بنزوله لمصر ورفع راية التغيير لكنه بطبيعته الشخصية لم يكن من النوع المقاتل والقوي الذي يستطيع المواجهة والمجابهة وتحمل الضغوط, بل كان يريد ممارسة السياسة بأخلاق الفرسان والنبلاء أو بمعني أدق وأصرح (بالشوكة والسكين ) علاوة علي مواجهة تحديات داخلية تمثلت في وجود جماعات منظمة تتخوف منه وتجده عقبة في طريق إنفرادها بالسلطة كجماعة الإخوان التي عقدت الصفقات مع المجلس العسكري لتسليمها البلاد ,كذلك واجه حرباً شعواء وتشويه أخلاقي من بقايا نظام مبارك الذي استغل السلفيين المرتبطين بأجهزة الأمن والقليلي الخبرة في ممارسة السياسة علاوة علي معارضتهم لقيام الثورة من البداية وحذروا منها وأطلقوا الفتاوى وسيروا السيارات بالميكروفونات ليحذروا من الخروج للمظاهرات ثم التحقوا بها بعد أن ضمنوا سقوط مبارك.! - تعدد واختلاف الكيانات الثورية وعدم اتفاقها علي منهج واحد وهدف محدد بقيادة واحدة لتحقيق مطالب الثورة مما سهل علي قيادات الدولة العميقة والمتجذرة والمحنكة سياسياً استغلال التناقضات واللعب علي اختلاف الآراء مما سهل ضرب الجميع بعد ذلك.! - طمع بعض الجماعات في الحكم وبالذات جماعة الإخوان التي وجدت في الثورة الفرصة السانحة والمنتظرة من 83 عاماً للسيطرة والتمكين وتحقيق أحلام الجماعة في التغلغل وحكم البلاد وهو أمل بالنسبة لهم تهون فيه كل التضحيات حتى ولو ضحوا برفقائهم من الثوار,ولذا مالوا لعقد الصفقات والإتفاقات مع قادة المجلس العسكري بما يتماشي مع أهدافهم ومنهجهم ! -عادت الثورة للوراء وفوجئ الجميع بعودة رموز نظام مبارك بل قل ظل نظام مبارك علي بنيانه القديم وأسلوبه العقيم في العودة إلي نظام الكبت والقهر ومصادرة الحريات والضغط علي الشعب عموماً والطبقات المتوسطة والفقيرة خصوصاً بفرض الضرائب والرسوم وغلاء الأسعار ليظل الشعب لاهثاً وراء لقمة العيش ,وحتى لا يجرؤ علي رفع رأسه مرة أخري ,وليعلم أن الثورات فيها سمٌ قاتل ,في مخالفة كبيرة وتحدٍ صارخ لعجلة الزمن وتاريخ الثورات التي تقول دائما إنها تتعثر لفترة ثم تعود أقوي مما بدأت وتحقق أهدافها كما حدث مع الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية التي حققت أهدافها بعد حين في الحرية والأخاء والمساواة, ولذا ستحقق ثورة 25 يناير أهدافها وسينعم الشعب بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية! **كاتب مصري