(1) تكاد رحلة الفريق شفيق من الإمارات إلى مصر وما سبقها وما لحقها أن تكون فيلمًا وثائقيًا عن حالة مصر والعالم العربي الراهنة، توضح – بكل وضوح وبلا أي تزيين أو تزييف – إلى أين وصلنا.
(2) الرجل قال قبل خمس سنوات أنه ذاهب للإمارات في زيارة سريعة سيذهب بعدها إلى العمرة ثم يعود إلى مصر، ولم يعد بعدها أبدًا، وقد خرج من مصر بست حقائب كبيرة وزنها 110 كجم، مما يدل على أن الرجل خرج في مصر وفي نيته البقاء طويلًا في الخارج، ومع ذلك استمر يكذب على الجميع رغم أنه كان قد اصبح في الخارج بالفعل ولم يعد لأحد في الداخل عليه سلطانًا يبرر لجوئه للكذب.
(3) وبعد 3 يوليو توقع الجميع أن يعود الفريق شفيق إلى مصر وقد كان أحد المحرضين على حكم الرئيس مرسي، إلا أن الأيام - ثم الشهور، ثم الأعوام - تمر، ولا تطأ قدماه أرض مصر ولا يقترب منها، ويتحدث عن ذلك أحيانًا بأسى دون أن يفسر، والأعجب أن أحدًا من الملايين التي انتخبته لم تهتم لما يحدث له أو تطالب بعودته، حتى حزبه الكرتوني المسمى (الحركة الوطنية) لم يسع بجدية إلى ذلك.
(4) ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزعومة بدأت الأنباء تتسرب أن الفريق شفيق يفكر في الترشح للرئاسة، ثم فجأة يخرج بيان إعلانه الرسمي للترشح للرئاسة، ثم بعدها بساعات يذاع بيان آخر منه على قناة الجزيرة أنه ممنوع من مغادرة الإمارات، ليخرج بعدها وزير إماراتي يهاجم شفيق بوقاحة ويمن عليه ويسبه، ثم في اليوم التالي يعلن أن شفيق سيتوجه إلى فرنسا، ثم في النهاية يرحل في طائرة خاصة إلى مصر، حيث يختفي لساعات طويلة يعلن بعدها عبر مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التليفزيونية أنه بخير، لكنه يتريث في أمر ترشح للرئاسة !!.
(5) لا شك أن ما حدث قد (حرق) أي فرص لشفيق، إذ أظهره بمظهر المضطرب، المهان، الذي يتطاول عليه من استضافوه، ثم يرحل إلى مصر، ثم يفكر في التراجع، كل هذا انهى معركته قبل أن تبدأ، هذا بفرض أنه كان سيخوض معركة، كما أن ادعاءه أن الجزيرة سرقت شريط الفيديو أورث موقفه ضعفًا أكثر، فإن كان غير قادر على المحافظة على شريط سجله، فكيف يحافظ على الدولة، وإذا كانت الجزيرة قناة سيئة، فهي ببساطة أذاعت الشريط ولم تفبركه، فهي كلمات شفيق حقًا صوتًا وصورة.
(6) أثبتت هذه الأزمة – سواء أخذنا بقول شفيق أو أخذنا بقول الحكومة الإماراتية – أن زميل الغدر غدار !!، فإذا أخذنا بقول شفيق فإن الحكومة الإماراتية قد غدرت بشفيق رغم كل دوره في التحضير للثلاثين من يونيو، ثم أطلقت عليه إعلامها ينهشونه ويحطمون ما بقي له من رصيد، وإذا أخذنا بقول الحكومة الإماراتية فإن شفيق قد أساء لمن استضافوه، ومثل ذلك يقال عن ثنائية شفيق والحكومة المصرية، فإذا أخذنا بقول شفيق فبئس غدر تلك الحكومة، وإذا لم نأخذ بقوله فبئس الكذب كذبه، وفي كل تلك الأحوال ثبت (أن شريك الغدر غادر) !.
(7) وأعادت هذه الأزمة تأكيد ما هو واضح وجلي أنه لن تكون هناك انتخابات رئاسية حقيقية، فكل مرشح تنهال عليه سيول من الافتراءات والتطاولات والاتهامات ويتعرض للتنكيل، وإن كان عهد مبارك قد نكل بخصومه في الانتخابات بعد انتهائها فإن هذا العهد يقوم بذلك بطريقة استباقية وليست بعدية.
(8) وأثبتت تلك الأزمة أن الموالين للسلطة – وكان كثير منهم قد أيدوا شفيقًا في انتخابات 2012- لا سقف لافتراءاتهم، فأحمد شفيق عدو الإخوان اللدود وحليفهم السابق ضد الإخوان قد أصبح عندهم من (الإخوان) لمجرد أن فكر في الترشح للرئاسة !!!، فهذا يدل إلى أي مدى ذهب القوم في ضلالهم المبين، وإذا كان (المجون) قد وصل بهم لإلقاء (تهمة) الإخوان على شفيق ومحاولة إلصاقها به فهي قابلة للتطبيق على أي مخلوق على وجه الأرض، وقد رموا بها من قبل (أوباما) و(هيلاري كلينتون)....فهل يعقل القوم ما يقولون ؟!.
(9) وأثبتت تلك الأزمة كم (المن) و(التكبر) الذي ينطوي عليه مسؤولون في بعض الحكومات الخليجية المؤيدة للحكم الحالي، فشفيق لم يقل إلا توصيف حالته وانه ممنوع من السفر، وأنه موقف لا يفهمه (لا يفهم أسبابه) ولا يتفهمه (لا يقبله لأنه يضع قيدًا على حريته ويعض نهاية لطموحه السياسي)، كلام هادئ وعتاب بسيط، فإذا بالرد من وزير إماراتي أن شفين لئيم وناكر للجميل وأننا من آويناه....إلى آخر عريضة ساقطة من الإسفاف والمن والكبر لا حدود له !!!، فلنا أن نتوقع أن هذا سيكون هو ذاته الموقف من مصر وشعبها عند أول شائبة ولو صغيرة – لا أقول حتى أزمة – بل شائبة تشوب العلاقات مع تلك الدول، ستنفتح علينا بالوعات من المن بالقروض والمنح والمساعدات التي جعلتنا الحكومة الحالية عبيدًا لها.....ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.